مهارات البحث 


اللحظة الفاصلة


    كيف تقوم بـ:

  • تسهيل عملية انتقالك من العمل الميداني إلى التحليل
  • الانتباه للمؤشرات التي تنبهك على أن وقت التوقف عن إجراء المقابلات والانتقال للكتابة قد حان

من الأخطاء الشائعة، في مجال البحث العلمي كما في العديد من المجالات الأخرى، التمادي في العمل: أي مواصلة مهمة بما يتعدى عتبة العمل المثمر. الكثير من المحللين يضيعون وقتهم في مقابلات لا طائل منها، ويستعرضون جوانب عديدة للقضايا دون إلقاء الضوء على النقاط المهمة فيها، في حالة تسويف لا نهائي لكتابة التحليل المطلوب. قد يستمر بعض المحللين في البحث أكثر مما هم بحاجته. يؤدي البحث الزائد وغير المطلوب إلى تأجيل مهمات صعبة: مثل الانخراط في جولة جديدة من العمل الميداني تخرجنا من منطقة الراحة الخاصة بنا، أو التوصل إلى استنتاجات، أو صياغة مسودة مشروع، أو بدء مرحلة صعبة في جمع التمويل.

وقد تكون إدارة الأمور أسهل إذا اعترفنا بهذه الهواجس، لكننا عادةً ما ننجح في إيجاد عذر آخر للمماطلة. ويؤمن المهووسون بالإتقان بضرورة العودة إلى مراجع لا حصر لها من الأبحاث والخبراء قبل جمع ما يكفي حول أي موضوع محدد. ففي أي موضوع ذي أهمية مجالات بحث مثمرة تفوق قدرة أي شخص على تغطيته.تشكل العديد من القضايا احتمالات تستحق البحث: العديد من الأحداث المثيرة للاهتمام تجري من حولنا وتغير أسلوب تعاملنا مع الأمور. وتعد القضايا المتعلقة بالحرب من أهم الأمثلة عن ذلك. تخيل مثلاً محاولة الانتهاء من كتابة تقرير من عشر صفحات حول المراحل المبكرة لصراع ما في الوقت المحدد، وسط احتدام الأمور وقبل اتضاحها بشكل كاف.

الكثير من المحللين يضيّعون وقتهم في مقابلات لا طائل منها

طبعاً لدى معظمنا أسباب للشك في غرائزه واستنتاجاته، ولمحاولة التيقن منها أيضاً، لكننا غالباً ما نكون السبب في تعزيز مخاوفنا. وربما تجيب الاجتماعات والاطلاع المتواصل عن بعض تساؤلاتنا، لكنها تطرح تساؤلات أخرى جديدة ومهمة. والأسوأ من ذلك، إذا كانت المشكلة الحقيقية تكمن في انعدام الإحساس بالثقة، فقد تتسبب في تقويض وإرباك حكمنا أكثر من شحذه. وعند تدهور إنتاجيتنا وفشلنا بتحقيق مهامنا، نولد المزيد من التوتر لأنفسنا، ما يدخلنا في متاهة لا نهاية لها.

وهكذا، تخسر المهمة التي تبدو دون نهاية غرض وجودها بالأصل. وبالتالي، تنجح المهمة عند تحديد اللحظة الفاصلة والمناسبة للتوقف، وعند أخذ هذا القرار، تكونُ قد حققتَ ما كنت تسعى إليه وبدأت بالتوجه إلى المرحلة التالية بشكل حاسم. ولن يتم هذا الانتقال بشكل طبيعي، بل عادةً ما يكون عشوائياً. ربما تتوقف قبل نفاد تمويل المشروع، لالتزامك أو تحديدك موعداً نهائياً، وفي بعض الأحيان بسبب حدسك، أو ببساطة لأن المشروع استمر أكثر من الوقت المتوقع. وفي أحسن الأحوال، قد تتفاجأ بأنك جمعت كمية كبيرة من المعلومات –بما يكفي لبناء تحليلك، أو استراتيجية مراجعتك، لمشروع التمويل– مع الاحتمال الأكبر بأن تفوتك اللحظة. وباختصار، أنت تُقدم على مخاطرة عن سابق علم.

وهنا تتوقف لتوجيه تركيزك نحو المهمة التالية، قد تحتاج لساعة واحدة (إذا تضمن هذا الوقت إرسال بريد إلكتروني مهم أو إجراء مكالمة هاتفية أو لقاء مع رئيسك في العمل) وقد تستغرق بضعة أيام (إذا كنت تقوم بوضع مخطط أو ملخص ما) أو شهراً (إذا كان يجب عليك صياغة مسودة وثيقة مليئة بالتفاصيل). على مر تلك الفترة، تجاهل تماماً ما ركزت عليه أثناء بحثك: مثل الاجتماعات والملفات ذات الصلة، والأحداث الجارية، على أهميتها. لديك دوماً فرصة للعودة إليها فيما بعد.

الانتقال من البحث إلى الكتابة لا يحدث بشكل طبيعي

لا يمكنك الحفاظ على سلاسة ومواكبة تحليلك باستمرار، وكيفما تعاملت مع الأمر، لا يتوافق هذا التحليل إلا مع أفكار موجودة في ذهنك فحسب، فالتقارير أو الأوراق المفاهيمية أو خطط العمل أو مقترحات التمويل تعيش متجمّدة في الوقت. وفي حال جرفتها الديناميات المتطورة فإن ذلك يعود إلى تصميمها السيء في المقام الأول: مثلاً استنادها لشهادات غير مثبتة أو غير واقعية، عوضاً عن قابليتها لضم ما ينقصها من معلومات وإفساح المجال أمام ما هو غير متوقع. لكن ليست المعلومات المفقودة سبباً للعزوف عن الكتابة: بل هي سبب للكتابة بمزيد من الدقة والحذر.

إن المماطلة في القيام بالعمل الميداني، أو البحث المكتبي المكثف، أو مهمة مستقبلية لا نحبذ القيام بها، تؤدي إلى تهديد سير المهمة، أي ترك نقطة ضعف أساسية في قلب المشروع الموكل إلينا، عبر التركيز على المهام السهلة وتأجيل ما يشكل تحدياً. وهذا بالضبط ما يتوجب علينا من البداية تحديده والتركيز عليه وطلب المساعدة لضمان نجاحه. المماطلة في أي أمر تعني أنك بأمس الحاجة إلى إيجاد حل له.


22 كانون الثاني/ يناير 2017

تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:
IBM 26 on/off switch by Marcin Wichary on Flickr / public domain.


محتوى ذو صلة