كيف تقوم بـ:
سحر، كيف تحلّين هذه المعضلة في الممارسة العملية؟
نظراً لحالة الشلل التي يعاني منها لبنان جراء الانقسامات والصراعات، تغدو الحقائق ضئيلة الأهمية بالنسبة للأشخاص الذين أتحدث إليهم. ولكن في الحقيقة، أي قصة يُنظر إليها، عادةً، من زاويا عديدة وشديدة الاختلاف، لكن العديد من اللبنانيين، وبدلاً من النظر إلى الصورة الكاملة بزواياها المختلفة، يتجاهلون ببساطة بعض الجوانب ويركزون على الأخرى التي تخدم مآربهم. وعبر إجراء مقابلات مع أصحاب المصلحة بكل أطيافهم، يمكنك فهم الديناميكيات التي يشترك فيها العديد من الأطراف ورؤيتها كجزء من صورة أكبر. وما أن تصل إلى ذلك الفهم، تصبح تصورات وتفسيرات الفاعلين أكثر صلة بتحليلك من الحقائق الموضوعية.
قد تغدو تحيزاتك نفسها، في الواقع، جزءاً من دافعك للبحث عن إجابات أفضل.
وتعد الروايات المتضاربة، بحد ذاتها، مثيرة للاهتمام، لما تنم به عن البنية العاطفية لمختلف المعسكرات المؤثرة واهتماماتها واستراتيجياتها. ولهذا، من المهم السماح لمحاوريك بالتحدث عن أنفسهم بدلاً من إسقاط "منطقك" عليهم؛ امنحهم مساحة للتعبير عن آرائهم بوضوح وحرية. ولابد من سماع الرواية وفهم بنيتها وتفاصيلها الدقيقة قبل الادعاء بتحليلها؛ فمعارضتها والتشكيك فيها من البداية عادةً ما يسلبها صدقها وحنكتها.
ومن هنا، ولكي تقدم حجة قوية، عليك أخذ الروايات المتباينة على محمل الجد. لا تتجاهل هذه الروايات، بل ضعها في السياق عبر استحضار العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تجتمع لتشكيلها. ووحده احترام رأي محاوريك يمكنك من تكوين رأي خاص يحترمونه في المقابل.
إلى أي مدى تُثري وجهات النظر المغرقة في الذاتية، التي تصادفينها وتجمعينها، تحليلك، حتى عندما تشوه الحقائق؟
لاشك أن الكيفية التي تعيد بها الأطراف الفاعلة سرد الحقائق وتفسيرها وتشويهها تشكل مصدراً غاية في الأهمية للتحليل، إذ تدفعنا إلى التشكيك في روايتنا الخاصة والبحث بمزيد من التعمق. كما أنها تشير إلى أمر جوهري، ألا وهو أن التصورات، والمعتقدات، والمعاني الرمزية، والمظالم، والمخاوف، والأوهام، والتي تتفاعل مجتمعة، تشكل الأدوات الحقيقية لتفكيرنا. أي وجهة نظر معينة، مهما كانت صادمة، عادة ما تعكس وجهة نظر طيف واسع من الجمهور. وقد تغدو حقيقة مهمة، هُوية من نفذ بعض الاغتيالات السياسية مثلاً، تافهة في تحليل الصراع العام.
ومع ذلك، من الضروري، في بعض الأحيان، معارضة الروايات التي نسمعها، ومواجهة الناس بحقائق لا تقبل الجدل، ومشاركة آراء متباينة. ورغم أن التعارض نادراً ما يهز اعتقاد شخص ما، غير أنه قد يشير إلى تناقضات في السرد، أو يعري المنطق المستند إليه، أو يساعد ببساطة على بناء علاقة أقوى. كما أنه يظهر أن المحلل لا يأخذ الأمور على ظاهرها، وأنه يتمتع بشخصيته وعمقه الخاصين.
كمواطنة لبنانية، لديك بالتأكيد تحيّزات، أو على الأقل مشاعر قوية، بشأن بعض القضايا التي تغطيها بشكل مهني. هل تعملين على كبح هذه التحيزات أم على تسخيرها؟ وكيف تحوّلين نقطة الضعف المحتملة هذه إلى نقطة قوة؟
بالطبع، لدي تحيزات في كل موضوع أقوم بتغطيته. لكن عملك كمحلل يعلّمك أن تبقي على ذهنية منفتحة تجاه الآخرين، ويخلق دوماً فرصاً لإعادة النظر في آرائك الخاصة أو التدقيق فيها على الأقل. وقد تغدو تحيزاتك نفسها، في الواقع، جزءاً من دافعك للبحث عن إجابات أفضل، والتي عادةً ما تأتي من التحدث إلى المعنيين. وغالباً ما يريك إمعان النظر في أي موقف معين ظلالاً رمادية أكثر من تلك التي تراها عن بعد، ولا سيما من منظور الصحافة أو وسائل التواصل الاجتماعي.
من الضروري، في بعض الأحيان، معارضة الروايات التي نسمعها.
11 كانون أول/ديسمبر 2016
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:
Maestro Benjamin Wadenk on Wikipedia / public domain