مهارات التواصل


كيف تعرض نفسك


    كيف تقوم بـ:

  • تحسين أدائك في تعارفك المهني
  • تحديد الهدف الحقيقي للتعارف

سيكون من الرائع لو كان غرض اللقاء هو سببه الحقيقي. لنفترض أن عليك الالتقاء ببعض المسؤولين في الوزارة لمناقشة قضية فنية لديك سبب وجيه لطرحها. من هناك، يمكن للاجتماع أن يذهب في عدة اتجاهات: قد يمنعك من تتحدث إليه من الدخول، قد يجرك إلى الداخل جراً، قد يتخبط بوجودك، أو قد يحافظ على حياد مريح. معظم ذلك يعتمد على أحد أهم جوانب العمل الميداني وأقلها عرضة للنقاش: كيف تعرض نفسك.

سيعقد الاجتماع إذا كان له سبب في المقام الأول. قد يكون السبب تعارفاً لا بد منه، أو اهتمام مشترك يبرر التفاعل. في بعض الأحيان يحدث التفاعل ببساطة نتيجة مصادفة عابرة؛ التواجد في المساحة نفسها من المكان والزمان سيدفع بشكل حتمي تقريباً باتجاه التحادث.

كقاعدة، أية دردشة أو حتى مقابلة ذات منحى رسمي تنطوي على شكل من أشكال المقايضة أو الالتزام. لكنها أيضاً حالة اجتماع بين شخصين – حدث يقوم فيه كل من الطرفين بدون وعي بإلقاء نظرة على محاوره وتقييم أهميته ومزاجه ونواياه وجدواه. وبما أنك ستتعرض للتقييم بموازاة قيامك أنت بالتقييم، لعلك على بينة من الرهان الناجم عن هذه العملية. تماماً كما سيتبدى لك أن محاورك ممل أو دمث أو متعجرف أو متوقد الذهن، كذلك أنت ستترك لديه انطباعاً طويل الأمد – وقد لا تترك فيه أية ذكرى على الإطلاق، وهو نادراً ما يكون أفضل.

الكثير من بيت القصيد في أي لقاء ناجح مكتوب بين سطور النقاش. 

لقبك الوظيفي ومؤسستك وخبرتك والأسماء التي قد تتباهى بذكرها لن تحسم الانطباع حولك إلا إلى درجة ما – سواء للأفضل أو للأسوأ. الجزء الأكبر من شخصيتك ستحدده عوامل أكثر خفاءً، لذلك تعتبر ”كيمياء“ العلاقة شديدة الأهمية لتحقيق نتائج جيدة، حتى بين أشخاص لديهم كل الأسباب التي تدعوهم للتفاعل، كالمفاوضين أو رؤساء الدول.

ليس هناك أسوأ من ذكر البحث الجاف سبباً لعرض نفسك. ضع نفسك في موقع محاورك، وتخيل أن تتحدث إلى شخص يعتبرك موضوع دراسته، يطرح أسئلة يسبر من خلالها ردودك ويقيّمها، يبدو أنه يفهم ما تقوله بخلاف ما تقصد، ويظهر عليه تركيز واضح على تعريف وتشخيص مشكلاتك. قد تشعر وكأنك تتحدث إلى طبيب نفسي، بل أسوأ: طبيب نفسي دون موعد.

في الوقت نفسه، لا يمكنك أن تحذف نفسك من التفاعل عبر توجيه التفاعل نحو نواته الصلبة من أسئلة وأجوبة، لأنك حينها ستتحول إلى مدون ملاحظات، وسيتم التعامل معك على هذا النحو: سيقال لك بالضبط ما يريد محاورك أن تكتبه، فقط ما يريد، وهو بالضبط ما لا ينبغي عليك التوقف عنده.

سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، كل لقاء يمثل عملية أداء. لا يعني ذلك أن عليك أن تستعرض أناك عند كل منعطف. يمكن لهذا الأداء، وينبغي أن يكون، من النوع الماكر. فهو في جوهره محاولة لجعل التبادل مجدياً ومسلياً لكلا الطرفين. فقط الجدوى والسلوى سيجعل الناس ينفتحون عليك، يعطونك المزيد من الوقت، يواعدونك مرة أخرى، ويتجشّمون عناء ربطك بأناس آخرين. سيعطونك المزيد حين تأخذ زمام المبادرة في كل ذلك. (طبعاً النرجسيون سيُفرغون كل ما لديهم بغض النظر عما تقوم به أنت، لكن نادراً ما يكون هؤلاء من تودّ رؤيتهم أكثر على أي حال.)

الكثير من بيت القصيد في أي لقاء ناجح مكتوب بين سطور النقاش الظاهري أو حتى سطور الملاحظات المدونة: لغة الجسد، النكتة، الحكايات الشخصية، مهارات الاستماع، والتوترات المحلولة أو غير المحلولة. يمكن للتحيّزات الموجودة مسبقاً والخلافات الناجمة عن اللقاء، في حال تحديدها ومعالجتها، أن تصبح وسيلة ممتازة لتدعيم العلاقة وتوطيدها بالتغلب المشترك على الاختلافات. يمكن لتفاعلات بدأت متوترة أن تكون من أنجع التفاعلات.

سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، كل لقاء يمثل عملية أداء. 

بعيداً عن سحرك الشخصي الذي لا غبار عليه، الجزء الذي لا غنى عنه من تفاعلك مع أي شخص يتعلق بما تجلبه أنت للعلاقة، بصورة موضوعية: سواء كنت تجري مقابلة كجزء من عملك الميداني، أو تأخذ المايكروفون في اجتماع طاولة  مستديرة، أو تتواصل مع شريك محتمل، أو تتحدث إلى وسائل الإعلام، السؤال الرئيسي هو ما الذي ستتركه لدى الناس بعد المناقشة. يقتصر ذلك في العادة على بضعة أشياء مهمة – أفكار جديدة أو معلومات ثاقبة فريدة من نوعها وذات قيمة عملية للمتلقي. هذه هي عملتك، ما تمنحه بعد لقاء هو بالضرورة، بطريقة أو بأخرى، عبارة عن صفقة. باختصار ”عرضك لنفسك“ هو في واقع الحال مسألة شيء تقدمه.

بالقليل من الممارسة يمكن للتركيز على لُحمة – أو مجمل نسيج – تفاعلاتنا المهنية أن يصبح عادة متأصلة. قد تبدو هذه العادة مفيدة ولكنها ليست كذلك. التجربة الإنسانية الغنية والمثرية هي بالتعريف غير مجانية: يجب أن تتضمن الأخذ والعطاء. أن تكون على دراية بذلك يعني أنك قادر على إفادة الجميع.

5 كانون الثاني/يناير 2017


تم استخدام الصور من:
Photo by Max Pixel on Creative Commons Zero
بترخيص من:
Creative Commons Zero.


محتوى ذو صلة