مهارات التواصل
اعتلاء منصة الحديث
عند حضور اجتماع أو لقاء طاولة مستديرة، لا يمكنك التمتع بخيار التزام الصمت، ما لم تكن ترضى بإلقاء نفسك في موضع مدوِّن ملاحظات لا يتوجب على أحد إعارته كثيراً من الانتباه. غالباً ما يكون اعتلاء منصة الحديث أمراً محرجاً ومخيفاً، وإن لم يكن هذا حالك، فهذا يعني، على الأرجح، أنك من أولئك الأشخاص الذين لا يطيقون انتظار فرصة الوقوف والاستماع إلى أنفسهم. التوازن أمر مهم.
إليك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدك في تحقيق توازن سليم:
- أنصت باهتمام: تكون المداخلة أو المشاركة في محلها حين تتناسب مع سياق الحديث وانسيابه، وتستند إلى ما قيل بالفعل، أو حتى تستشهد بـه، وتضيف جديداً عليه. كما يمكن للمداخلة أن تعارض الحديث الذي سبقها أو تعيد توجيهه، لكن ذلك يتطلب فعل ما يلزم للنأي بنفسك عما تريد تجنّبه، وبجدية أكبر.
- اختر مقاربة مميزة: يعتلي الأشخاص منصة الحديث لأسباب متنوعة: لشعورهم بأحقيتهم ومكانتهم؛ أو لأن الآخرين يتوقعون منهم ذلك؛ أو ليحظوا بالشعبية والتقدير؛ أو للتنفيس عن مشاعر مكبوتة أو لمجرد الثرثرة؛ أو لتوصيل رسالة مدروسة تعود بالفائدة على الحديث. وإن كنت ستأخذ دورك في الحديث، فاحرص على أن تكون من الفئة الأخيرة. وعليك، عند المشاركة في تفاعل اجتماعي مهم، أن تفرض وجودك عبر قدرتك على تقديم لب الموضوع وجوهره. عادةً، يمكنك الاستفادة من إدخال محور على الحديث يتعلق بسياقه، يتسم بطابع تحليلي ولكنه يرتكز على تجربتك الواقعية، وبعيد عن أي حكمة تقليدية يتردد صداها في المكان. وطالما أنك تحافظ على تواضعك، تغدو مسألتا العمر والمكانة ثانويتين في الغالب.
- خير الكلام ما قلَّ ودلَّ: حين تطيل الحديث، فأنت تعبث بنظام الكلام؛ وتضجر مستمعيك، وقد تفقد تسلسل أفكارك وينتهي بك الأمر متلعثماً. أما الإيجاز، فيقترن بالأهمية والصلة الوثيقة بموضوع النقاش، ولذلك، ينبغي لمداخلتك أن تقتصر على نقطة أو اثنتين ترسخ في أذهان مستمعيك.
- البنية: أي مداخلة، حتى تلك التي لا تتعدى مدتها ثلاثين ثانية، لابدَّ وأن يكون لها بنية واضحة إلى حد ما. في الصورة الأمثل، تحتوي المداخلة على مقدمة تخطف انتباه الجمهور تنتقل بها مما يقال، أو تستخدمها كجسر تعبره للتحدث من زاوية أخرى، أو لجذب انتباه الجمهور ببساطة؛ ومنعطف مفاجئ يتمثل بذكر أمر جديد وذكي يدفع الناس لمناقشته في استراحة القهوة؛ وخاتمة تكون الذروة التي تنهي مداخلتك بوضوح.
- التدرُّب: لا تخفى وسيلة طرح الأفكار ونقاط الحديث بطريقة واضحة وجذابة على أحد، حيث يكفي أن تكرر النقاط وتتدرب على أدائها قبل اعتلاء منصة الحديث. كما يفضل تدوينها، إن أمكن، واختصارها بكلمات محورية. بعبارة أخرى، يمكنك استغلال الفرصة، حيث تتمتع هنا بميزة امتلاك الوقت للتفكير، بخلاف ما يحدث في مقابلة مباشرة أو محادثة فردية.
- اعتمد نهجاً استراتيجياً: من الأفضل لك الابتعاد عن بعض القضايا التي تعلم يقيناً أنها خاسرة. وبالمثل، يُفضل عدم الخوض في قضايا تتجاوز قدراتك بوضوح، رغم ما قد تراه من أهمية فيها. وفضلاً عن ذلك، عليك اختيار التوقيت المناسب: في بداية الحديث حيث يمكنك المساعدة في تأطيره، أو مع اقتراب نهايته لترك انطباع عميق لدى مستمعيك. على سبيل المثال، يسعى أحد الخطباء المؤثرين في أوساط المؤتمرات الدولية، وبشكل منهجي، إلى التحدث قبل الاستراحات مباشرة. ودوماً ما يكون حديث طاولات القهوة، وهو الحديث الذي تفوق أهميته الحدث الرئيسي في وسطه.
- ترقب وتوقع الأمور لاستباقها: أحياناً، قد يأتي دورك في الحديث في وقت لم تختره، بعد انعطاف الحديث باتجاه ميدان خبرتك المشهودة، ويقرر أحد ما، زميل أو مشارك آخر أو منسق الحوار، أن يدعوك للحديث. وغالباً ما يمكن توقع منعطفات كهذه، لكن قد يحدث أن تخفق في توقعها بسبب تركيزك الشديد على الأمل بعدم حدوثها. لذا، لا تبحث عن ساتر تحتمي به، بل حضر نفسك واستعد.
- تحدث الآن أو اصمت للأبد: ما من فرصة ثانية؛ فعند اختتام اجتماع طاولة مستديرة، يفوت أوان الإسراع لسرد كل الأفكار العظيمة التي كنت ترغب في مشاركتها خلال الساعات الست الماضية.
- للوضعية أهمية حتماً: الابتسام والجلوس بشكل مستقيم يُحدثان فرقاً، ليس في مظهرك فحسب، وإنما في طريقة حديثك أيضاً. وكما فعل بيبين في فيلم «سيد الخواتم: عودة الملك» حين كانت موردور تستعد لهجوم وحشي على الأرض الوسطى، يمكنك أن تأخذ نفساً عميقاً قبل الدخول في غمار المعركة. وقد تُذكّر نفسك عندها بأن الأمر ليس ملحمياً لهذه الدرجة، وأنه ما من «عفريت» في المكان.
- حين تشعر بالإحباط، تمهل: ذلك لا يعني تراجعاً مطلقاً، بل على العكس، ستكون مواجهتك لما يزعجك أكثر فعالية إذا ما تمهلت حتى تلملم شتات نفسك وتراجع النقاط التي سبق ذكرها.
- لا تدخل في مشادات كلامية: لا يمكن لمشادة كلامية ثنائية أن تستأثر بحديث جماعي. وعادةً ما يكون هذا الأمر محرجاً بقدر ما هو غير مجدٍ. والطريقة الأسلم، إذا واجهك أحدهم بأسلوب يستدعي رداً فورياً، أن تحرص على الرد بهدوء ودقة وإقناع، وإثبات حجتك. وإذا حاول هذا الشخص أن يتابع مواجهتك برد على ردك، فاقترح علناً معالجة هذه المسائل أثناء الاستراحة.
- العالم لا يدور حولك: ما نحن بصدده حدث اجتماعي له معاييره وقواعده، حيث نسعى ببساطة للاندماج فيه والقيام بواجبنا. والأمر في جوهره يتعلق بدفع حديث موضوعي مهم إلى الأمام. وقد تفعل حسناً بأن تمزج المهارات الاجتماعية المتواضعة، والتي لا تميل لجذب الانتباه، مع الأهمية والصلة الوثيقة بالمسألة التي تساعد في إظهار تميزك. وكلما تحسن أداؤك، كلما توجب عليك إظهار مزيد من التواضع. وفي العموم، أي علامة انتصار تظهرها، لن تؤدي إلا إلى إثارة العداء فحسب.
إذا التزمت بالنصائح السابقة جميعها، فستغدو نجماً لامعاً. لكن الخطابة بكل أشكالها مجرد أداء، وما من مؤدٍ لم يمر بلحظات صعبة. غير أن هذه اللحظات، ورغم الألم الذي تولده، ليست إلا جزءاً من العمل ومن عملية التعلم. وبعدها، نغدو أكثر ثقة بأنفسنا، لكن الحياة لا تتوقف عن تعليمنا دروساً مؤلمة مجدداً. وأفضل خيار هو أن نتلمس بعض الإلهام من النصائح السابقة، ثم ننساها ونتذكر أن نكون أنفسنا. لذا ما عليك إلا أن ترتدي حذاءك الأحمر وترقص!
4 آب/أغسطس 2016
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من:
The signing of peace in the hall of mirrors by
William Orpen on Wikipedia / public domain.