مهارات التواصل
بناء شبكة علاقاتك
يُنقل عن جورج سوروس، أحد أهم الشخصيات في مجال بناء شبكة العلاقات المهنية (التشبيك)، مقولة شهيرة يصرح فيها بأن «التشبيك لا يجدي نفعاً». وقد يكون هذا القول مجرد اقتباس صحفي ملفّق عن لسان سوروس، لكنه يخبرنا بشأن حقيقة أساسية تتعلق بتواصلنا المهني: ما من منفعة تُذكر تتأتى من مجرد لقاء الآخرين والدردشة معهم، ما لم يُعامل هذا المسعى بصفته استثماراً. جميعنا حضر مؤتمرات جمعتنا بمن لنا معهم اختلافات جوهرية نناقشها، وجميعنا تبادل بطاقات العمل للترتيب بلباقة للقاء يبدو وضوحاً أنه لن يتم، لنرميها في درج خزانة سفلي مخصص فيما يبدو لبطاقات اللا-عمل. وإلى حد ما، تعتبر منصة «لينكد إن» ذاك الدرج السفلي، الذي توسع بشكل كبير بعد أن أصبح رقمياً..
يمكن لـ «التشبيك» أن يكون حتمياً ومثمراً، أو متكلفاً وغير مجدٍ
ورغم فائض التواصل هذا، يبقى الناس الحقيقيون، في النهاية، صلة الوصل مع العالم، وأولئك هم من ينبغي علينا بناء علاقات حقيقية معهم. وغالباً ما تأتي أكثر المعلومات فائدة، وأفضل اقتراحات الأعمال، وأكثر فرص العمل احتمالاً من أشخاص معروفين، إن لم تكن من محادثات شخصية. ومع سعينا لإعمال هذه الخيوط، تغدو النتائج أكثر اعتماداً على نوعية العلاقات الشخصية ومتانتها؛ فإن أردنا التحقق من معلومات نلجأ لمعارف نثق بهم، وإن أردنا أن نقوم بأعمال تجارية نتوجه إلى أشخاص نقدِّرهم، وبقدر الكفاءة يلعب الانسجام والجاذبية دوراً في حصولنا على منصب جديد. وبالفعل، لو كانت العلاقات البعيدة كافية، فلماذا يقضي رجال الأعمال والدولة من أرفع المستويات هذا القدر الكبير من وقتهم في التنقل شخصياً من مكان إلى آخر؟
ويتلخص المغزى بالآتي: يمكن لـ «التشبيك» أن يكون حتمياً ومثمراً، أو متكلفاً وغير مجدٍ، وذلك اعتماداً على قرارات واعية عليك اتخاذها بشأنه. وبينما تمعن التفكير في خياراتك، إليك بعض الدروس المستفادة كمصدر محتمل للإلهام:
- استثمر وقتك بحكمة. قد يهدر التشبيك الكثير والكثير من الوقت؛ فببساطة قد يستهلك اجتماعٌ في الجانب الآخر من المدينة بين ساعتين وثلاث من وقت عملك، وقد يعطل مؤتمر يستوجب السفر عمل أسبوع كامل. لذا، من الأهمية بمكان أن تضع هدفاً نصب عينيك وتغتنم فرصاً جديرة بهذا الوقت. وإن كان السبب الرئيسي الذي تقدمه لنفسك لحضور حدث ما هو «التشبيك»، فعليك الالتزام بكلمتك أيضاً: اطلع على قائمة المشاركين، وبادر للتواصل مع الأشخاص موضع الاهتمام، واجمع بيانات اتصالهم وصنفها، واحرص على متابعة التواصل معهم بالصورة الملائمة. وفي هذا السياق، يصدف أن تكون التجمعات الكبيرة المعادل المهني للمواعدة السريعة؛ إذ توفر لك فرصة فريدة لإجراء محادثات مدتها خمس دقائق مع أشخاص قد لا ترغب في قضاء المساء كله معهم.
- وظّف شبكتك. إذا تم تقديمك لأحدهم عبر توصيّة من شخص يحبّه، ويثق به، ويحترمه، أو على الأقل لا يختلف معه فهي أكثر أشكال التقديم نجاحاً. لا تتردد أبداً في طلب تقديمات كهذه ممن يقدّرون عملك. وسوف يُسرّ هؤلاء لمساعدتك. وفي كل الأحوال لن تكلّفهم تلك التوصية شيئاً. وإذا شعروا بانزعاج إزاء الفكرة، فلن يستجيبوا لطلبك.
- وسّع أفقك. بعض أنواع «التشبيك» تشبه عضوية النوادي. إذ تحرص دوائر مختلفة من الحاضرين في المناسبات العامة أو الخاصة، على المشاركة كي يشعروا بأنهم جزء من مجموعات مرغوبة من كبار المسؤولين أو رجال الأعمال الأثرياء، أو أكاديميين معترف بهم، أو الموهوبين البارعين في مجالاتهم. وبالمثل، يقضي بعض المغتربين قدراً كبيراً من الوقت في الاختلاط مع ذوي الشأن، ليتجنبوا خطر عزل أنفسهم عن بيئتهم. ومن المؤكد أنّ العديد من الوظائف الناجحة ستتفصّل على مثل هذا الذكاء في التحرّك والتصرّف أكثر من التحركّات العفوية التي تعتمد على الصّدفة. ومع ذلك، من الأفضل أن تسعى في تنمية شبكتك إلى التواصل مع من يفتحون أمامك آفاقاً جديدة ويزيدون من قدراتك المهنية ورشاقتك الاجتماعية والفكرية. ولا حاجة إلى صدّ مجموعات موحدة الفكر ولا تتقبل الآراء المختلفة؛ إنما احرص على ترشيد الاستثمار فيها، وتأكد من معاملتها بتوازن عبر لقاءات عَرَضيّة بين حين وآخر.
- لن تكلفك المحاولة شيئاً. من حيث المبدأ، من المفيد أن ننظر إلى ما هو أبعد من العقبات الواضحة وأن نفترض قدرتنا على التواصل مع أيّ كان وبناء علاقات عميقة معه. سيعتمد الأمر عليك وعلى أفكارك الإبداعية للوصول إلى أعلى مستويات القوة، والتأقلم مع الأعراف الاجتماعية التي تحدّ من قدرتك على التحرّك، أو اكتساب اللغة اللازمة للتعامل مع شرائح جديدة من الناس. تُبنى الفضاءات المتاحة للتفاعل البشري على العديد من القواعد المحدّدة وغير المُعلنة، والتي يجب إتقانها واستخدامها والسيطرة عليها، وذلك إذا كان عملك يستهدف اكتساب العمق عبر الاحتكاك بالاختلاف والمختلِف. ولا تنسَ أنّ هناك أموراً تتطلب الهدم حتى وإن كان على حساب راحتنا الشخصية: ليس إيلاء الاحترام الواجب للهرميّة سبباً في تجنب بناء علاقة تقوم على المساواة والتوازن مع أولئك الذين يفترض أنّهم «أعلى» أو «أدنى» منك.
يؤدي توسيع شبكة معارفك إلى زمالات متنوعة وثرية.
- كن سخياً أياً كانت العائدات. صُممت بعض الشبكات بشكل أساسي لجمع الموارد وتحصيل العمولات: قد تتبادر الماسونية إلى الأذهان، لكنّ مؤسسات النخبة غالباً ما تنتج شبكة تابعين يعملون بصورة جماعية، وإن كان ذلك غريزياً، لتعزيز مصالح مؤسستهم، وذلك بإظهار مستويات عالية من التضامن والتكاتف. شبكات أخرى، في مجال الأعمال التجارية على سبيل المثال، تجعل من الطبيعي طلب خدمة في مقابل الحصول على أخرى. ولكن ليس ثمّة ولاء تلقائي كهذا في الشبكات المفتوحة؛ بل عليك أولاً تحديد مدى ملاءمتك، وإبراز ما تضيفه من قيمة أمام الفرد أو الجماعة، ثمّ يمكنك كسب ثقة واحترام ودعم المؤسسة. بشكل عام، حين تفكر في طلب خدمة من أحدهم، اسأل نفسك أولاً: هل حاولت دعم هذا الشخص يوماً، حتى ولو قليلاً؟
- راجع أنشطتك بين حين وآخر وقارنها مع قائمة مثل قائمتنا هذه. اسأل نفسك: هل اتصلت مع كل من يمكنني الاتصال بهم من المعنيين بمجال بحثي أو عملي؟ هل أعنتهم في وقت سابق؟ هل احتفظت بمعلومات اتصالهم؟ هل أرسلت بعملي لأكثر المعنيين به؟ وهل أتبعت ذلك بلقاءات ترتبط بالأمر؟
الشبكات الناجحة تتطلب جهداً كبيراً في حد ذاتها، وغالباً ما تدور حول اهتمامات بعينها. ولكن لا تمنع تلك الحقيقة إنشاء صداقات صلبة ومخلصة في أي حال من الأحوال؛ لذا، ليس عليك التوجه إلى سلوك ذي طابع رسمي عند التواصل. بل على العكس من ذلك، يؤدي توسيع شبكة معارفك إلى زمالات متنوعة وثرية. الأمر الذي سيمثّل أفضل دافع، خلف الحاجة لإنجاز عملك وبناء سيرتك المهنية.
19 حزيران/يونيو 2017
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي: