كيف تقوم بـ:
ثمة قاعدة أساسية وحيدة لإجراء مقابلات مع الصحفيين: أن يكون التفاعل تبادلياً في الجوهر؛ فسواء كان مراسلاً أو كاتب عمود، أو مذيعاً، فهو يريد أمراً ما منك، وبدورك، لا بد أن هناك ما تريده منه بالمقابل، مع حرصك على أن تكون تلك الصفقة رابحة.
إذا ما تساءلنا عمّا يسعى إليه الصحفيون بالضبط، فسيختلف الجواب باختلاف شخصياتهم ومدى مهنيتهم. على أحد طرفي الطيف، ستقابل أشخاصاً مستعدين لتقويلك ما لم تقل: يحتاج الكثير منهم إلى اقتباس يؤكد استنتاجات جاهزة، كانوا قد توصلوا إليها هم أنفسهم، أو محرروهم أو جمهورهم. وقد يطرح آخرون سلسلة طويلة من الأسئلة الأساسية التي يمكنهم بسهولة إيجاد أجوبة لها، ولكن يصادف أنك من الأشخاص الذين يكثر ظهور الاقتباسات المأخوذة عنهم على محرك البحث غوغل.
وعلى الطرف الآخر للطيف، قد يَمنُّ عليك الحظ أحياناً بصحفي يسعى ليناقش باهتمام وجهة نظرك بشأن قصة ما، ليستخدم زاوية فهمك لها، ويجد سُبلاً للثناء على رأيك ونسبه إليك. كما يمكن لصحفي كهذا أن يفكر بجدارة وجهة نظرك الخاصة كي تُعرض بمزيد من التوسع على المنصة التي يعمل معها.
في كثير من الأحيان، قد تُطلب منك «تعليقات مقتضبة بليغة» عادية تنعش خبراً ما. وعادة ما تأتي طلبات وسائل الإعلام على شكل عاصفة؛ فحين يلوح موضوع ما في الأفق، أو يُناقش على الهواء في الوسائل الإعلامية، يتحتم على الصحفيين التدافع للعثور على من لديهم ما يقولونه عن ذاك الموضوع. وبالطبع، يمكنك الاعتراض في أي وقت على أهمية الموضوع من أساسه، ولكن كن مطمئناً، فهواجسك لن تجد آذاناً صاغية، لأن الصحفيين مضطرون إلى تغطية ما يتصدر الأخبار، وبصورة متناقضة نوعاً ما. وبالتالي، لا داعي للمقاومة: إما أن تركب الموجة أو تدعها تغمرك.
عملك هو أن تقدم نتاجاً قيّماً للآخرين
ومن المهم أيضاً أن تفهم السبب الذي يقف وراء طلبهم لآرائك في المقام الأول. وهنا، عليك تبديد أي آمال في أن يكون السبب التقدير الخالص لعمق وعيك الذاتي. على سبيل المثال، وبخلاف شهود العيان أو الأطراف الفاعلة، تُجرى المقابلات مع المحللين لسببين وحيدين: أولهما، تواجدهم في دائرة الاهتمام، إما لتقديمهم شيئاً يلفت الانتباه مؤخراً، أو لظهورهم في مقابلات أخرى؛ وثانيهما، اتسام رواياتهم بنوع من المصداقية، والتي يضفيها اسم الشخص ومكانته، أو نتاجه، أو المؤسسة التي يتبع لها. وبتجاهل الصلة الفعلية لأي من هذين السببين بالموضوع، ينتشر خبراء آنيّون في أي من المواضيع ومهما كثر عددها.
وفي المقابل، وإن لم تكن في دائرة الأخبار ولا تتمتع بمكانة مميزة، ستطويك «نعمة» النسيان. وفي مرحلة ما، قد يكون رأيك هو الأهم في موضوع ساخن، لكن بعدها بعامين، وإن لم تُحسن لعب أوراقك، قد تغدو على الهامش تماماً.
يقودنا ما سبق من تبديد للغموض إلى جوهر المسألة: ما الذي تبتغيه من إجراء مقابلة؟ أن يظهر اسمك في الصحف، أو وجهك على الشاشات؟ بالطبع لا، بل لديك رسالة، وقد تعمقت كثيراً وقدمت نتاجاً قيّماً للآخرين. وبالنظر إلى الصيغة السائدة في الإعلام، لن تتعدى مساهمتك بعض الجمل، والتي يجب أن تكون قادراً على كتابتها أو التعبير عنها شفهياً دون تردد؛ فإن لم تكن تعرف تماماً ما تريد قوله، فمن الأفضل لك التواري وتجنب الظهور.
المشاركات المهمة هي تلك التي تعود بالنفع على الطرفين كليهما
وبحكم القاعدة المستمدة من التجربة، فإن المشاركات الإعلامية المهمة هي تلك التي تعود بالنفع على الطرفين كليهما، بحيث تحسّن نتاج الصحفي وتلفت الانتباه إلى أعمالك. هي مقايضة عادلة لكنها تحتاج، للأسف، إلى توضيح في بعض الأحيان. ومع الممارسة، قد تتمكن أيضاً من التخلي عن دروعك، وقد تغدو المقابلة الجيدة، على الأرجح، مبارزة راقية أكثر منها مقارعة سيوف من العصور الوسطى.
19 آذار/مارس 2017
تم استخدام الصور بموجب رخصة المشاع الابداعي من: