مهارات الكتابة


فن التحرير


    كيف تقوم بـ:

  • جعل نفسك المحرر الذي طالما بحثت عنه
  • التعامل مع النص بطريقة هادفة ومتواضعة وحاسمة

أي عمل أدبي كبير دوماً ما يكون ثمرة تعاون، حيث نسعى لاستمداد الإلهام من الآخرين، وغالباً ما نستعير أفكاراً أكثر مما ندرك أنفسنا. عبر مراعاة الملاحظات والتعليقات المتكررة، تتحسن مهاراتنا الكتابية. وبالطبع، النص الجيد يثريه تدخل المحرر الكفء، لكن أولئك المحررون عملة نادرة: فالكثير من المحررين ينتهون بنص ضعيف أو مشوش عبر إسقاط طابعهم الذاتي عليه، بدلاً من إظهار صفاته الجوهرية. ومن حسن حظ سيناپس وجود أليكس سايمون كعضو أساسي في فريقها منذ تأسيسها، وهو محرر بالفطرة فضلاً عن مهاراته الأخرى.

المحرر الموهوب المتواضع لن يسمح لطابعه الذاتي بالتدخل، بل سيركز أولاً على التعرف على نقاط القوة في النص، وثانياً على حذف أو تعديل ما قد يؤثر سلباً في متابعة القراءة، ومن ذلك: عدم الوضوح؛ والعبارات غير المسندة أو تلك المفرطة في التجريد والتي قد تتطلب مراجع، أو أمثلة أو ألوان؛ والتراكيب اللغوية المعقدة أو المفردات غير الضرورية؛ والطول، ما يعني حذف كل كلمة أو جملة أو صيغة معقدة غير ضرورية؛ والأخطاء المطبعية. وأما النقطة الثالثة التي ينصبّ عليها تركيز المحرر، فتتمثل في جانب من عملية التحرير يصعب تحديد معالمه ويتسم بمزيد من التجريد، ألا وهو ضمان الانسياب الأمثل للسرد نفسه، عبر مساعدة الكاتب في إيجاد الإطار والتسلسل المناسبين لأفكاره.

أليكس، باعتبارك مؤلفاً، ما هي النصيحة التي يمكنك تقديمها للكُتَّاب لتسهيل عملية التحرير الأخيرة لعملهم؟

أعتقد أن العنصر الوحيد الأكثر أهمية – والأكثر صعوبة – لأي عملية تحرير يكمن في معرفة ما تحاول قوله. ورغم أنه أمر بديهي، غير أنه عصيّ على الفهم بطريقة تثير الدهشة: كثير منا لا يكتشف حقاً ما يصبو إليه حتى يكتب مئات أو آلاف الكلمات. ومقدرتي على التعبير عن رأيي بوضوح شديد في جملة أو اثنتين من عدمه، هو المحك الذي يختبر معرفتي بالنقطة التي أرمي إليها. وثمة مقياس آخر جيد يتمثل في قدرة القارئ متوسط الاطلاع على إخباري بجوهر الحجة بدقة بعد إلقائه نظرة على عملي..

وأقول مجدداً، إنه أمر أصعب بكثير مما يبدو عليه، وذلك يعود جزئياً إلى أننا غالباً ما نركز على جانب واحد من الحجة ولا يكون، فعلياً، الجانب الأكثر أهمية. غالباً ما تأتيني لحظة الكشف وأنا أحرر نصاً ما، حيث أصطدم، بعد الانتهاء من ثلثي النص، بما هو شيق وغير مألوف حقاً، وأدرك أنه هو ما ينبغي أن يكون محور النص. وحقيقة، الوصول لهذا الكشف أسهل في كتابات شخص آخر مما هو عليه في كتابتي، لكن بالطبع، تحرير كتابات الآخرين تجربة مفيدة لكتاباتي.

المحرر الموهوب المتواضع لن يسمح لطابعه الذاتي بالتدخل

بعد وضوح الغاية من النص، ثمة تحدٍّ ثانٍ ينطوي على نثر هذا الوضوح على كل فقرة منه، ما يعني العودة إلى كل جملة وفقرة وفي ذهنك فكرة واحدة: "ما الذي أريد قوله". وتتساءل، هل أعرف بالضبط ما هو بيت القصيد هنا وكيف يتأصل في حجتي الأكبر؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيعرف القارئ ذلك على الفور أم سيتعين عليه التمعن أكثر؟ وفي الوقع، يُستمد جزء كبير من تحقيق هذا الوضوح من "الكلمات والعبارات الانتقالية" و"الجمل المفتاحية"، والتي تبدو بسيطة ولكن من الصعب على أحد فهم معناها الصحيح دوماً. وإن كانت الجملة الأولى من فقرة غير متأصلة بوضوح في الأخيرة ولا تشير بوضوح إلى ما سيأتي، فهي بحاجة إلى تعديل.

وهناك خطوة أخرى مهمة تتمثل في معرفة ما الذي لا تتقنه فعلاً، والتعامل مع ذلك بصرامة. وعلى سبيل المثال، أستخدم الكثير من الصفات، وأسترسل أحياناً باستخدام بالفواصل والفواصل المنقوطة، بينما أنجرف في استخدام صيغة المبني للمجهول من حين لآخر. وقد استغرق إدراك ذلك مني بعض الوقت وبعض المحررين الجيدين، لكن الآن، وبعد إدراكي لهذه النقاط، لا أتساهل أبداً في تصحيحها في كتاباتي.

 بالإضافة لما سبق، هناك نصيحتان، وهما شائعتان بالفعل، لكن شيوعهما لم يأتي من العدم، بينما يسهل إغفالهما في بعض الأحيان. أولاً، اكتب مسودة واتركها ليوم دون النظر إليها، خاصة عندما تكرهها وتعتقد أنها مروعة؛ (قد) لا تكون بهذا السوء الذي تظنه. وثانياً، إذا رأيت كلمة أو جملة يمكن حذفها، فاحذفها.

ما الدروس التي تعلمتها من تحرير الآخرين لكتاباتك؟

في الحقيقة، تعلمت درساً في غاية الأهمية، ألا وهو التواضع. من الجميل أن يُقال لك أن عملك ممتاز ومثالي، وبالطبع، يُحبطك أن يُقال لك بأنه يحتاج إلى إعادة صياغة أو إعادة كتابة. وكوني شخص ينشد الكمال بطبعه، كانت عملية تعلم تقبّل النقد البنّاء مؤلمة بالنسبة لي. لكنني وصلت إلى هذه المرحلة الآن، بل وأكثر من ذلك؛ لدي مجموعة من الأصدقاء والزملاء وأفراد العائلة ألجأ إليها عندما أحتاج إلى نقد لاذع.

وفي الوقت نفسه، وكما ذكرت سابقاً، كان لوجود محررين جيدين دوراً مهما ًفي إدراك نقاط ضعفي ومعالجتها. والأهم من ذلك، أن المحرر الجيد يختار نقاط قوتك ويخبرك بكيفية صياغة عمل أدبي حولها. وهذه العملية لا تتوقف فائدتها الجمة عند عمل أدبي معين، وإنما تتوالى: كلما ساعدني أشخاص آخرون على تمتين عملي، كلما تحسنت لدي عملية غربلة الأفكار وانتقاء أهمها.

أن المحرر الجيد يختار نقاط قوتك ويخبرك بكيفية صياغة عمل أدبي حولها.

وأخيراً، لابد من القول إن تحرير الآخرين لأعمالي يساعدني على معرفة ما يهمني في أسلوبي التعبيري. وثمة محرر يعزف باستمرار على وتر جملي الطويلة ويصفني بالثرثرة أحياناً، وغالباً ما يكون محقاً، لكني أحب جملي الطويلة المسترسلة في بعض الأحيان وأشعر أن التخلي عنها سيؤثر على أسلوبي في التعبير.

عند تحرير نص يصعب الوصول بمستواه إلى النتائج المتوقعة، يغدو إجراء تعديلات أساسية، تقارب إعادة الكتابة، أمر مغرٍ، ولكنه يقف أيضاً دون تقدم المؤلف. والسؤال المهم هنا، كيف تحرر نصاً بطريقة تشرك فيها الكاتب بالفعل وتحترم حدوده، بينما تدفعه نحو التحسين؟ 

وبالطبع، يعتمد ذلك كثيراً على نمط الكتابة، وتسلسل الأحداث، وهوية الكاتب، وغير ذلك. ولكن الأمر، بشكل عام، يرجع إلى التعرف على النقاط الأكثر قوة في كتاباتنا وكتابة الآخرين. بالنسبة لي، وحتى في ظل ظروف مثالية، أي مع الوقت الكافي الذي يمكن للمرء فيه التفكير مليّاً وإجراء تنقيح هيكلي حقيقي، لا أعمل على تحرير النص ذاته، وإنما أقدم ملاحظات شاملة على مستوى النص ككل، بحيث تحدد المشاكل المتكررة التي يجب معالجتها ونقاط القوة التي ينبغي إبرازها. وقد أقول، على سبيل المثال، إن الحجة لم تصلني بوضوح من البداية، وقد استخدمت صيغة المبني للمجهول طوال الوقت، والفقرة السادسة هي الأقوى في نصك، والحجة التي فيها ينبغي أن تكون في صميم النص وتبرز منذ البداية.

ومع وقت أقل بقليل، يمكن القيام بذلك على مستوى الفقرة الواحدة، دون إعادة الكتابة، كالقول مثلاً، إن هذا القسم يحتاج إلى مراجعة دقيقة في آخره، وذاك سيكون أقوى بإضافة مثال أو اقتباس، وقد كتبت اسم هذا الفصيل بطريقتين مختلفتين في أماكن عدة. إن عملية تلقي هذا النوع من النقد وتنفيذه، عملية مفيدة بطريقة لا يمكن تصورها.

21تشرين ثاني/ نوفمبر 2016



محتوى ذو صلة