اقتصاد النفط اللبناني

كيف صنع النفط عصراً ذهبياً في السابق
وشكّل أزمة اليوم 

زاكري دايفس كايلر

فيما يغرق لبنان أكثر فأكثر في أزمته الاقتصادية، يروق لطبقته السياسية إحياءُ آمالٍ عفا عليها الزمن، وهي أن الغاز البحري في شرق البحر المتوسط ​​سيحوّل لبنانَ إلى دولةٍ نفطيةٍ، لكنّ هذه الآمال تُغفل حقيقة أن لبنان قد شهد بالفعل طفرةً نفطيةً صنعت عصراً ذهبياً في البلاد في منتصف القرن العشرين. في تلك الحقبة كان الازدهار يدين بالكثير للعلاقة بالنفط، وهي علاقةٌ أصبحت في معظمها طيَّ النسيان منذ ذلك الحين: فبدءاً من ثلاثينيّات القرن الماضي، لعب لبنان دوراً محورياً في اقتصاد النفط الذي راح يزدهر في المنطقة، حين تدفق النفط الخام ورأس المال الخليجي من خلال مصافي التكرير والموانئ والبنوك اللبنانية.

تلك حقبةٌ حلّت ثم ولّت، لكنها تركت إرثاً راسخاً، إذ يمكن نسبُ الفضل في جلِّ الازدهار المتلاشي للطبقة الوسطى في لبنان إلى قطاع النفط، وتحديداً إلى الطاقة الرخيصة، والضرائب المنخفضة، والليرة القوية، والارتباط بسوق المال العالمي، والحماية الاقتصادية من خلال النقابات العمالية والضمان الاجتماعي؛ بيد أن هذا العصر الذهبي قد أرسى أيضاً أسس انهيار لبنان الحالي، وذلك أنه غذى فيه اقتصاداً قائماً على المضاربة، وتحصيل الريع، والاستهلاك القائم على الاستيراد. كما خلّفت تلك الحقبة كثيراً من الآثار المادية: من ثقافة السيارات المتجذّرة، إلى مصفاة النفط التي ينهشها الصدأ شمال طرابلس، وصولاً إلى مقرات الشركات التي لا تزال قائمةً وسط شارع الحمرا الغارقِ في الظلام اليوم. وفيما يسعى لبنان لانتهاج نهجٍ اقتصاديٍّ جديدٍ، تحمل آثارُ تلك الحقبة دروساً مهمةً للمستقبل.

وضْعُ الأسس

في صدر عصر الازدهار الذي شهده لبنان في الخمسينات، اشتهر السياسي الوطني ميشال شيحا بالقول إن بلاده "مكتوبٌ عليها" أن تصبح مركزاً عالمياً، حين أعلن أن الجغرافيا قد حتّمت على لبنان أن يلعب دور الوسيط بين الشرق والغرب منذ القِدم. ساهم هذا الخطاب الرومانسي في ترسيخ إحساسٍ معينٍ بالهوية اللبنانية، غير أنه أخفى مدى أهمية التطورات الأخيرة حينئذٍ، لا سيما صناعة النفط الناشئة في المنطقة، في تعزيز المكانة المركزية للبنان في ذلك الوقت.

قبل عقدين من الزمن، بدأت سلسلةٌ من مشاريع البنية التحتية الكبرى في ترسيخ روابط لبنان بجيرانه من الدول الغنية بالنفط، وقد تمثّل أول تلك المشاريعِ بنظامِ خطِّ أنابيبٍ اكتمل في عام 1934، ليربط حقول النفط العراقية بمحطة تصديرٍ تقع خزاناتها وسط بساتين البرتقال في ضواحي طرابلس. كانت هذه المنشأة مملوكةً لشركة نفط العراق، وهي شركةٌ متعددة الجنسيات لعبت دوراً كبيراً في نمو صناعة النفط الوليدة في العراق. في السنوات السابقة، بحثتِ الشركةُ عن خياراتٍ لتأسيس محطةٍ على ضفاف المتوسط كي تربط العراق بأوروبا، وفي بادئ الأمر وقع اختيارُ الشركة على حيفا في فلسطين زمنَ الانتداب البريطاني، لكن المسؤولين الفرنسيين وغرفةَ التجارة في بيروت نجحوا في الضغط لمد خطٍّ ثانٍ إلى طرابلس.

من الثلاثينات بدأت سلسلةٌ من مشاريع البنية التحتية الكبرى في ترسيخ روابط لبنان بجيرانه من الدول الغنية بالنفط

وقد ضختِ تلك المنظومةُ النفط الخامَ العراقيَّ من حقول كركوك عبر شرق سوريا، مروراً بأطلال تدمر ومدينة حمص قبل عبوره الحدودَ اللبنانية. وبعد وصوله إلى المحطة في طرابلس، كان يتدفق النفط عبر خطوطٍ تحت الماء إلى منصاتٍ بحريةٍ، ثم يُعبّأ منها في ناقلاتٍ ويُشحن عبر البحر المتوسط. وما أنِ اكتملت خطوطُ الأنابيب الممتدة إلى طرابلس وحيفا حتى غدتِ القنواتِ الرئيسةَ لنقل النفط العراقي إلى أوروبا الغربية.

بعد الحرب العالمية الثانية، استضاف لبنانُ خطَّ أنابيبَ رئيساً ثانياً ربط أوروبا الغربية بدولةٍ نفطيةٍ كانت ناشئة حينها، ألا وهي المملكة العربية السعودية، فبدءاً من عام 1950، راح خط الأنابيب العربي "التابلاين" ينقل النفط الخام من حقول بقيق النفطية المطورة حديثاً - في شرق المملكة العربية السعودية - عبر مئات الكيلومترات من صحراء المملكة، إلى الأردن فمرتفعات الجولان السورية، قبل أن يصب أخيراً في محطة نفط الزهراني جنوبَ صيدا؛ وقد وصفه دعاة هذه الشركة بأن هذا الخط شكّل "طريقٌ فولاذيٌ مختصرٌ" يَعبر الصحراءَ، وكان يشحن التابلاين نحوَ ثلث النفط الذي كانت المملكة العربية السعودية تنتجه في العقد الأول من تشغيل خط الأنابيب.

وبذا أصبح لبنان عقدةً مركزيةً في الشبكات الإقليمية والعالمية من خلال النفط والهياكل المادية التي سهّلت تدفقه

وبذا أصبح لبنان عقدةً مركزيةً في الشبكات الإقليمية والعالمية من خلال النفط والهياكل المادية التي سهّلت تدفقه، وقد تعاظم هذا الدور إبان الازدهار الاقتصادي الذي شهدته أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ ولمّا راح العراق والمملكة العربية السعودية يوسعان صناعات الطاقة لديهما، كانتِ الدول الأوروبية متعطشةً للوقود. أدى لبنان دورَ الوسيط، ففي ذروة خطة مارشال، شكّلَ خطُّ التابلاين وشركةُ نفط العراق معاً أكثرَ من ثلث إمدادات النفط لأوروبا الغربية.

لكن خطوط الأنابيب هذه فعلت أكثر من مجرّد نقل النفط إلى الأسواق الخارجية، إذ أرستِ الأسسَ لمشاريع البنية التحتية التحويلية التي سرّعتِ التنقلَ داخل الأراضي اللبنانية وعبرها. أصبح طريقُ صيانة خط التابلاين، الممتدُ من البحر المتوسط ​​إلى الخليج، قناةً رئيسةً للسلع المصنعة المتوجهة من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية إلى الدول النفطية التي كانت تزداد غنىً كالمملكة العربية السعودية والكويت؛ وقد غذى هذا بدوره تجارةَ عبورٍ قويةً، وقطاعاً تجارياً مزدهراً في لبنان، كما ساعد في تعزيز الزراعة والصناعة المعَدَّين للتصدير، حيث استوردت دول الخليج كمياتٍ كبيرةً من السلع لبنانيةِ الصنع بحلول سبعينات القرن الماضي. ساعدت هذه العلاقات في جعل لبنان - بالتوازي مع مصر وسوريا والعراق - بلداً صناعياً، مما أدى إلى انتشار المصانع الصغيرة في ضواحي بيروت.

زادت هذه التبادلاتُ والثروةُ التي نتجت عنها من طلب لبنان على المنتجات النفطية، فكانت النتيجةُ حلقةَ استثمارٍ أدى فيها بناءُ نوعٍ ما من البنية التحتية النفطية إلى الحاجة لبناء نوعٍ آخر، وبذا نتج عن تلكما المحطتين في طرابلس والزهراني ظهورُ مصفاتين جديدتين راحتا تولدان الطاقة لاقتصادٍ سريع النمو: من وقودِ السفن التي تنقل البضائع من وإلى مرفأ بيروت، إلى الديزلِ للشاحنات التي تنقل البضائعَ المستوردةَ واللبنانيةَ إلى الخليج، والوقودِ لمحطات الطاقة والمصانع، والبنزينِ لأسطولٍ متنامٍ من السيارات الخاصة.

قناة السويس المالية

والأهم من ذلك أن تجارة النفط لم تساهم في بناء البنية التحتية المادية للبنان فحسب، بل سرّعت كذلك عجلة نمو القطاع المالي في البلاد بشكلٍ مذهلٍ، حيث راحت كلٌّ من الحكومة اللبنانية والشركات الخاصة تُسخّر وتستثمر تلك الثروة التي راحت تتراكم بسرعةٍ بفضل هذا القطاع. لقد غدا لبنان؛ في هذه العملية؛ في قلب اقتصاد النفط في المنطقة، وكذا في أسواق رأس المال التي تزايد ارتباطها.

سرّعت تجارة النفط عجلة نمو القطاع المالي في البلاد بشكلٍ مذهلٍ، حيث راحت كلٌّ من الحكومة اللبنانية والشركات الخاصة تُسخّر وتستثمر تلك الثروة التي راحت تتراكم بسرعةٍ بفضل هذا القطاع.

وبعد استقلال لبنان عام 1943، أصبحتِ الدولةُ نفسُها تعتمد على عائدات النفط كحجر زاويةٍ في التنمية الاقتصادية والاستقرار، فقد كانت شركة نفط العراق وخط التابلاين تدفع رسوم عبورٍ للحكومة عن كل برميلٍ يعبر الأراضي اللبنانية، فوفّرت هذه الرسومُ العملةَ الأجنبيةَ اللازمةَ لشراء احتياطات الذهب التي ساعدت بدورها بيروتَ في تثبيت سعر الليرة عند نحو ثلاث ليراتٍ للدولار الواحد من أوائل الخمسينات حتى أواخر السبعينات. في موازاة ذلك، ساعدت الريوع الناتجة الدولة اللبنانية في تعزيز ميزانيتها دون زيادة الضرائب على الأفراد أو الشركات، وهي ممارسةٌ ما زالت قائمةً حتى يومنا هذا.

وفّرت هذه الميزاتُ كلها بيئةً مضيافةً لكلٍّ من رأس المال اللبناني والأجنبي، فبفضل استقرار العملة اللبنانية، والسياسات الاقتصادية الليبرالية، وسوق الصرف الأجنبي الحر، وقوانين السرّية المصرفية الصارمة، أَودع المستثمرون الأثرياءُ من جميع أنحاء الخليج أموالَهم في بنوك بيروت، وكذلك فعلت أعدادٌ متزايدةٌ من اللاجئين الفلسطينيين، ورجالِ الأعمال الفارين من حملات التأميم في مصر وسوريا والعراق. في الوقت نفسه، سمحتِ الطفرةُ النفطيةُ للبنانيين أنفسِهم بتحصيل كمياتٍ متزايدةٍ من السيولة داخل لبنان وخارجه؛ فقد سافر العمال ورجال أعمال والأطباء والمهندسون اللبنانيون بحثاً عن عملٍ بأجرٍ جيدٍ في منشآت النفط المتنامية في الخليج، ثم أعادوا ثرواتِهم إلى الوطن في شكل تحويلاتٍ وودائعَ واستثماراتٍ.

بدأت سلسلةٌ من مشاريع البنية التحتية الكبرى في ترسيخ روابط لبنان بجيرانه من الدول الغنية بالنفط.

ولا عجب أن أَطلق عددٌ من مجلة تايم عام 1964 على لبنان اسمَ "قناة السويس المالية"، ولا عندما ادعى السياسي والممول اللبناني بيير إده أن "بيروت تتعامل مع رأس المال كما تتعامل قناة السويس مع السفن". ولاستيعاب هذه الأرباح الطارئة، ولّد لبنان مجموعةً مضاعفةً من المؤسسات المالية مثل البنك البريطاني للشرق الأوسط وبنك "بيروت الرياض" الخاص ببير إده، وكان أكبرُ لاعبٍ هو بنك إنترا الذي أسسه يوسف بيدس، وهو تاجرٌ من أصلٍ فلسطينيٍّ، والذي كانت شركاتُ النفط العالميةُ من بين رواد عملائه الأوائل. ومن أوائل الخمسينات وحتى منتصف الستينات، قفز رأس مال بنك إنترا عشرة أضعاف - من 6 إلى 60 مليون ليرةٍ لبنانيةٍ – وزادت ودائعه أربعين ضعفاً، من 14 إلى 599 مليوناً. وبحلول عام 1965، نافست أصولُ بنك إنترا أصولَ البنك المركزي اللبناني التي بلغت حينئذٍ نحوَ مليار ليرةٍ.

كما تدفقت كمياتٌ متزايدةٌ من رأس المال على لبنان، مما أدى إلى طفرةٍ من نوعٍ آخر، ألا وهي العقارات، فمن خلال البنوك اللبنانية، استثمرتِ النخب الخليجية بكثافةٍ في العقارات اللبنانية - في بادئ الأمر لقضاء إجازات الصيف، لكن سرعان ما راح المستثمرون يهدفون إلى تنويع مَحافظهمُ الاستثماريةِ. أدى الاستثمار في العقارات والبنية التحتية إلى إحداث تحولٍ في بيئة البناء من بيروت إلى الكويت، مما حفز نموَّ قطاع البناء في لبنان وشركات المقاولات التي تتخذ من بيروت مقراً لها، والتي عملت في جميع أنحاء المنطقة، ويمكن رؤية آثار هذه الفترة حتى يومنا هذا، بما في ذلك معالم بيروت، كالبنك العربي وفندق هوليداي إن.

أيام التابلاين

أدت هذه التغييرات الكبيرة في الاقتصاد اللبناني إلى تغيير المجتمع نفسه، فقد وفّر قطاع الطاقة - وغيره من القطاعات المعتمدة عليه - عشراتِ الآلاف من فرص العمل في مختلف الصناعات وللفئات الاجتماعية المتنوعة. وهكذا وعدت شركات النفط أن تحفز أنشطتُها الصناعةَ في المنطقة، وراح خط التابلاين يصف نفسه بأنه "خطةُ مارشالٍ مصغرةٌ" في الشرق الأوسط. كان هذا الزعم بالذات زعماً مبالغاً فيه، غير أن الثروة النفطية أدت بطبيعة الحال إلى ازدهار شريحةٍ من سكان لبنان من الخمسينات وحتى منتصف السبعينات، وهي فترةٌ ما زال البعضُ يتغنى بها ويتذكرها باسم "أيام التابلاين". 

قد وفّر قطاع الطاقة - وغيره من القطاعات المعتمدة عليه - عشراتِ الآلاف من فرص العمل في مختلف الصناعات وللفئات الاجتماعية المتنوعة. 

وقد دانت هذه الأرباح للقوى العاملة من العمال والموظفين على حدٍ سواء، وذلك بطُرقٍ تطورت بالتوازي مع مسار الصناعة نفسه. في بادئ الأمر، كان الدافع الأكبر هو إنشاء البنية التحتية المادية لقطاع النفط، حيث وظفت شركة نفط العراق نحو 25 ألف عاملٍ في أوج فترة إنشائها، بينما تطلّب تجميع خط التابلاين 16 ألف عاملٍ، وهو عددٌ إجماليٌّ هائلٌ في منطقةٍ ظَل اقتصادُها متراجعاً. تطلّبت خطوط الأنابيب هذه القليلَ من العمال حالَ اكتمالها، غير أن الوظائف المتبقية كانت تتطلب مهارةً تقنيةً وذات أجورٍ عاليةٍ: أشرف مشغلو الراديو اللبنانيون على ضخ النفط الخام عبر 1213 كيلومتراً من خط الأنابيب، ووجهوا طواقم القوارب اللبنانية التي ربطت الناقلاتِ بنظام التفريغ في محطة الزهراني. كما وظّف مقرُّ خط التابلاين في بيروت الأكْفاءَ من المهندسين والمصممين والمحاسبين والأطباء والممرضات، بينما أبقت محطةُ أنابيب ومصفاة شركة نفط العراق على طبقةٍ عاملةٍ صناعيةٍ صغيرةٍ، لكنها مزدهرةٌ، في مدينة طرابلس التي كانت تتدهور في ذلك الوقت.

في الوقت نفسه، أدى نمو القطاعِ المصرفي المتعلق برأس المال النفطي إلى ظهور مجموعةٍ جديدةٍ من المصرفيين ذوي النفوذ المتزايد، ومن بين هؤلاء يوسف بيدس مؤسس مصرف إنترا، الذي بلغ قمة الاقتصاد اللبناني، وغبريال خوري، الذي أسس اتحاداً لعمال البنوك، وتولى قيادة الحركة النقابية اللبنانية. مثّلت هذه القوةُ العاملةُ من الموظفين المكتبيين حجرَ الزاوية لاقتصادٍ ناشئٍ قوامُه التجارة والخدمات.

كان عمال النفط والبنوك ممن يتقاضون أفضل الأجور في البلاد، وشكلوا العمود الفقري للطبقة الوسطى الآخذة في التوسع والمتمتعة بشهيةٍ متعاظمةٍ للاستهلاك، بما في ذلك الواردات الوفيرة ونمط الحياة الذي يحتفون به اليوم من خلال الصور القديمة للفنادق والمنتجعات الشاطئية. كما أدى ذلك إلى تفجر ملكية السيارات الخاصة، وهو اتجاهٌ لا يزال واضحاً في شوارع بيروت اليوم كما هي الحال في البطاقات البريدية التي تحمل صوراً لساحةَ الشهداء وقد ضجت بالسيارات في الستينات.

شكّل عمال النفط والبنوك العمود الفقري للطبقة الوسطى الآخذة في التوسع والمتمتعة بشهيةٍ متعاظمةٍ للاستهلاك

شجعت كلٌّ من الدولة اللبنانية وشركات النفط الأجنبية التوجهَ نحو التنقل الفردي من خلال السيارات على حساب خطوط الترام والسكك الحديدية في لبنان؛ فقدّمت شركةُ نفط العراق وخط التابلاين الأموالَ لوزارة الأشغال العامة لتوسيع شبكة الطرق السريعة في لبنان وصيانتها، لا سيما تحسين الطريق السريع بين بيروت ودمشق والطريق الساحلي، وشقّ الطرق إلى الوجهات السياحية مثل بعلبك وأرز الرب، وإنشاء طرقٍ ثانويةٍ للقرى، وربط وسط بيروت بالضواحي الجديدة؛ وبذا سرّع برنامجُ البناء هذا العمليةَ التي بدأتها سلطات الانتداب الفرنسي من خلال استثماراتها الخاصة في البنية التحتية الطرقية.

كما عزز قطاع النفط، والترابطُ الذي تطلبه حينئذٍ، النموَّ في قطاعات قد تبدو بعيدة عنه، بما في ذلك السفر الجوي التجاري، فأُسست شركة طيران الشرق الأوسط في عام 1945 من قِبل موظفٍ سابقٍ في شركة أرامكو - عملاقِ النفط السعودي - الذي اشترى طائراتٍ قاذفةً من حقبة الحرب العالمية الثانية، وذلك لتحويلها واستخدامها في تزويد منشآت أرامكو في المملكة العربية السعودية، ثم حوّل هذا المشروعَ إلى شركة طيرانٍ سفريةٍ رئيسةٍ ذات قوةٍ عاملةٍ كبيرةٍ مقرها بيروت. وفي عام 1959، استخدم بنك إنترا ثرواتِه الناتجةَ عن النفط للحصول على حصةٍ مسيطرةٍ في شركة الطيران تلك، والتي استخدمها بعد ذلك لجعل لبنان مركزاً جويّاً إقليميّاً يربط الخليجَ بأوروبا الغربية.

وقد اعتمدت ثقافة السيارات والاستهلاك في لبنان على امدادات الوقود المتاحة والرخيصة، الأمر الذي أصبح محورياً لاتفاقيةٍ ضمنيةٍ راحت تتشكل بين الدولة والمجتمع. ضمِنتِ الحكومةُ اللبنانيةُ استمرارَ تدفق النفط، وخاصةً عن طريق التفاوض على أسعارٍ تفضيليةٍ مع المورّدين الذين كانوا يشحنون الوقود عبر حدود البلاد. في المقابل، موّلتِ الطبقاتُ الوسطى من العمال والموظفين المكتبيين في لبنان الدولةَ من خلال الضرائب المفروضة على السلع الاستهلاكية المستوردة والبنزين محلي التكرير؛ حتى في الوقت الذي كان فيه أغنياء لبنان لا يكادون يدفعون شيئاً على دخلهمُ الشخصيِّ وثروتهم.

تأجيج حركةٍ

إذا كان النفط قد ساعد في صياغة العقد الاجتماعي للبنان بعد الاستقلال، فإنه خلق أيضاً الظروف المناسبة للطعن في هذا العقد ومراجعته؛ إذ منح قطاع النفط تحديداً الطبقاتِ العاملةَ في لبنان النفوذَ الاقتصاديَّ والاجتماعيَّ المطلوبَ لبدء حركةٍ عماليةٍ تصادميةٍ ومؤثرةٍ في نهاية المطاف؛ وقد حققت هذه الحركةُ سلسلةً من الانتصارات بشق الأنفس من أواخر الخمسينات حتى منتصف السبعينات، انتصاراتٍ لا تزال آثارها ظاهرةً حتى اليوم.

لقد أدت التجارة النفطية إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية التي حفّزت تلك الحركة والتعبئة في المقام الأول؛ ففي الوقت الذي كان فيه هذا القطاع يحفّزُ حركةً اجتماعيةً غيرَ مسبوقةٍ، ويغذي الشهية الاستهلاكية لدى الطبقة الوسطى، كان يساهم أيضاً في جعل لبنان - وتحديداً بيروت – مكاناً تغيب فيه المساواة وتعزُّ فيه ضروريات الحياة يوماً بعد يومٍ. كما أدى تدفق رؤوس الأموال الخليجية على بيروت إلى تأجيج المضاربة العقارية وزيادة أسعار الإيجارات. هذا وأدى تدفق الثروة إلى القطاعات المصرفية والتجارية والبترولية إلى ارتفاع الأسعار بشكلٍ عامٍّ، في حين أن اعتماد لبنان على الواردات جعله عرضةً للتقلبات الدولية. وبالرغم من ازدياد الوصول إلى السلع الاستهلاكية المستوردة، واجه العمالُ تكاليفَ إسكانٍ متضخمةً، وارتفاعاتٍ غيرَ متوقعةٍ أحياناً في أسعار الضروريات الأساسية مثل الأرزّ والعدس.

في الوقت الذي كان فيه هذا القطاع يحفّزُ حركةً اجتماعيةً غيرَ مسبوقةٍ، ويغذي الشهية الاستهلاكية لدى الطبقة الوسطى، كان يساهم أيضاً في جعل لبنان مكاناً تغيب فيه المساواة وتعزُّ فيه ضروريات الحياة

مع اشتداد هذه المشكلات، كان عمال النفط يبحثون عن سبلٍ لتحسين وضعهم؛ وعندما راحوا يطلقون النزاعاتِ العماليةَ في أواخر خمسينات القرن الماضي، سرعان ما اكتشفوا أنهم يتمتعون بنفوذٍ كبيرٍ على الاقتصاد وعلى سياسة الدولة، فعقب صرف موظفٍ في شركة توزيع وقودٍ، أعلنَ ائتلافٌ من عمال النفط والبنوك إضراباً على مستوى البلد، وشكلوا اتحاداً عمالياً وطنياً غيرَ رسميٍّ، وانضموا في هذه العملية إلى موظفي مرفأ بيروت وشركة الكهرباء والترام.

ظهرت قوةُ هذا التحالفِ الهائلةُ خلال الحرب الأهلية اللبنانية القصيرة عام 1958، فخوفاً من الخسائر الاقتصادية للقتال طويل الأمد، هدد التحالف بإعلان إضرابٍ في البنوك والميناء وشركات توزيع الوقود إذا لم يجدِ السياسيون في البلاد تسويةً. كان من شأن هذه التعبئة أن تصيبَ البلادَ بالشلل من خلال وقف حركة السيارات والقطارات، وفي نهاية المطاف قطْع إمدادات الكهرباء عن بيروت. ذكر دبلوماسيون أمريكيون وبريطانيون في برقياتٍ أرسلوها في ذلك الوقت أن لذلك التهديدِ بالإضراب الفضلَ في تشكيل حكومة الرئيس فؤاد شهاب بعد الحرب.

مظاهرة العمال في محطة الزهراني عام 1966

استمرت هذه الحركة العمالية في استعراض عضلاتها طوال الستينات، ولما راحت تعاني من آثار التضخم المدمرة، راحت العمالة المنظمة تنسق فيما بينها للمطالبة بأجورٍ أعلى ودولةِ رفاهيةٍ أكثر قوةً. وسعياً إلى تحقيق هذه المطالب، هددوا بالإضرابات العامة التي – بالنظر إلى قدرة عمال النفط على إيقاف توزيع الوقود وتصدير النفط - أَجبرتِ الحكومةَ على التفاوض باستمرارٍ. وفي عام 1961، أقنع أحدُ تلك التهديدات الحكومةَ برفع الحد الأدنى للأجور، وفرض زيادةٍ في المرتبات الوطنية لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.

والجدير بالذكر أن هذه التعديلاتِ لم تكن فعالةً إلا لفترةٍ محدودةٍ، فقد أدت زيادة الأجور على الصعيد الوطني إلى تسريع التضخم الذي تسبب في حشد العمال في المقام الأول، وهي ظاهرةٌ يسميها الاقتصاديون "التضخم المدفوع بالأجور" وكانت النتيجةُ حلقةً يغذي فيها التضخم والتعبئة وزيادة الأجور بعضها بعضاً، وكذلك فوز العمال المنظَّمين بتعديلاتٍ في الأجور على المستوى الوطني مرةً أخرى في أعوام 1965 و1971 و1973 و1974.

لكن تلك الانتصارات لم تكن كلها عابرةً، بل على العكس من ذلك، فبحلول أوائل السبعينات، لوّح العمال المنظَّمون باللجوء للإضرابات لانتزاع مجموعةٍ تحويليةٍ من آليات الأمان الاجتماعي، وقد شمل ذلك خطةَ معاشاتٍ تقاعديةٍ، ومساعدةٍ حكوميةٍ للأفراد المعالين في أُسر العمال، ومختلفِ التأمينات المدعومة من الدولة للعاملين بشكلٍ رسميٍّ؛ وقد شكّل هؤلاء معاً الصندوقَ الوطنيَّ للضمان الاجتماعي، الذي ما يزال يمثل آليةَ الرعايةِ الاجتماعيةِ الرئيسةَ في لبنان إلى يومنا هذا. تُعزى جلُّ هذه الاختراقات إلى القيادة التقدمية لفؤاد شهاب وخليفته شارل حلو، لكنها ربما لم تكن لتتحقق دون ضغطٍ من القاعدة مارسته حركةٍ عماليةٍ مدعومةٍ بسيطرتها على النفط.

الاستنزاف

وهكذا كانتِ الخمسينات والستينات حقبة بناءٍ: من البنية التحتية المادية والمالية، إلى الطبقات والحركات الاجتماعية، وهياكل الدعم الحكومية؛ لكن الصروح التي نتجت عن ذلك كانت غير مستقرةٍ أكثر مما قد توحي به الصورُ التي تبعث على الحنين إلى العصر الذهبي، صورٌ التُقطت من خلال الشقوق التي سيفتحها العقد اللاحق على مصراعيها.

الصروح التي نتجت عن ذلك العصر الذهبي غير مستقرةٍ أكثر مما قد توحي به الصورُ التي تبعث على الحنين، صورٌ التُقطت من خلال الشقوق التي سيفتحها العقد اللاحق على مصراعيها.

في صلب هذا الهشاشة كان اعتماد لبنان على مكانته كمركزٍ لأسواق الطاقة الإقليمية والعالمية، وقد كانت هذه المكانة مهمةً للغاية لإعادة ملء خزائن الدولة برسوم العبور، وكذا لإبقاء الطبقة الوسطى عاملةً، وميسورةً، وقادرةً على شراء السلع الاستهلاكية الوفيرة، لكن بحلول أوائل السبعينات، بدأ هذا الموقع المركزي في اقتصاد النفط بالتحول والتصدع، ويرتبط هذا جزئياً بظهور ما يسمى "بالناقلات العملاقة"، وهي سفنٌ جديدةٌ ضخمةٌ مجهزةٌ لنقل النفط من الخليج إلى أوروبا الغربية. تجاوز هذا المسار الجديد لبنان كلياً، وأثبت أنه أرخص من ضخ النفط الخام عبر خطوط أنابيبَ عمرُها عقودٌ مثل التابلاين وشركة نفط العراق، مما قوّض سبب وجودها الرئيسَ.

ولما أصبحت الطرق التي تجنبت لبنان أرخص يوماً بعد يومٍ، أصبحتِ المسارات عبر هذا البلد أكثرَ تكلفةً، فقد كان لارتفاع الأجور والمزايا التي حصلت عليها نقابات النفط اللبنانية آثارٌ جانبيةٌ تتمثل في زيادة تكاليف العمالة في خط التابلاين وشركة نفط العراق في هذا البلد. كما أدى نجاح لبنان في التفاوض بشأن الإتاوات إلى رفع سعرها أكثر فأكثر، مما دفع كلاً من خط التابلاين وشركة نفط العراق للبدء في البحث عن طرقٍ للتخلي عن هذه الأصول التي لم تعد مربحةً.

لكن الضربة الأكبر جاءت عندما نسّق منتجو النفط الخليجيون فيما بينهم بين عامي 1972 و1974 لرفع أسعار النفط العالمية إلى مستوياتٍ غير مسبوقةٍ؛ فواجه لبنان صعوبةً في دفع أسعارٍ أعلى للنفط السعودي الخام المستورد عبر خط التابلاين، وأدت تكلفة واردات الطاقة هذه في نهاية المطاف إلى مراكمة ديونٍ بلغت عشرات الملايين من الدولارات على الدولة اللبنانية. في مواجهة المنافسة من الناقلات العملاقة ومع تأخر لبنان في السداد، أوقف خط التابلاين تصدير النفط من الزهراني في عام 1975، وما زاد الطين بلة للاقتصاد النفطي اللبناني هو تأميم شركة نفط العراق في عام 1972، ما مثّل تحولاً إقليمياً نحو ملكية الدولة للقطاع. وبحلول منتصف السبعينات، وجد لبنان نفسه مقطوعاً عن كلا الشريانين اللذين لطالما سمحا له بالاستفادة من طفرة النفط في المنطقة.

بحلول منتصف السبعينات، وجد لبنان نفسه مقطوعاً عن كلا الشريانين اللذين لطالما سمحا له بالاستفادة من طفرة النفط في المنطقة.

ولما راح لبنان يترنح بفعل ارتفاع أسعار الطاقة، راكم مصدري النفط الخليجيين ثروة أكبر من أي وقتٍ مضى بسبب هذا الارتفاع. أدى هذا التشعّب إلى صدمةٍ مزدوجةٍ: فمع زيادة التكاليف في المتاجر ومحطات الوقود اللبنانية، ضخ المستثمرون الخليجيون سيلاً جديداً من الثروة النفطية في السوق، فأدى ذلك إلى زيادة التضخم والمضاربة في العقارات، مما جعل حياة معظم السكان في لبنان - وخاصةً في بيروت - أكثر صعوبةً.

كانت هذه الأزمة محسوسةً على نطاقٍ واسعٍ، بيد أنها أصابت أكثر ما أصابتِ الشرائحَ الاجتماعية التي استُبعدت من العقد الاجتماعي الشهابي، إذ طالما كانتِ المكاسبُ التي حققتها العمالةُ المنظّمةُ مقتصرةً على من يعملون بشكلٍ قانونيٍّ في اقتصاد لبنان الرسمي، بينما لم تستفد منها المجموعات المتنوعة التي تقع خارج هذه المظلة. ومن بين المستبعدين عمالُ المنازل والعاملون في الزراعة واللاجئون الفلسطينيون والمهاجرون السوريون، الذين مُنعوا فعلياً من تنظيم النقابات أو الوصول إلى صندوق الضمان الاجتماعي. لم تُستبعد هذه المجموعات المهمشة من زيادات الأجور على مستوى الدولة فحسب، بل أصيبوا بالضرر لما غذتِ الزيادات في الأجور التضخمَ الذي أدى إلى زيادة تآكل قيمة أجورهم الراكدة.

دفعتِ الحرب الأهلية هذا النظامَ الاجتماعيَّ والاقتصاديَّ المترنحَ أصلاً إلى الانهيار، فقد أدى اندلاع القتال في عام 1975 إلى انسحاب شركات النفط العالمية من لبنان بالكامل، مما دفع الشركاتِ المحليةَ مثل الوردية، وميدكو، وكورال، التي تشكل الآن كارتل الوقود في لبنان، إلى الاستحواذ على التوزيع. كما راحتِ الإمارات الخليجية مثل الكويت ودبي تطوِّر قطاعاتِها الماليةَ الخاصةَ بها بدلاً من توجيه رأس المال النفطي عبر سوق بيروت المحفوف بالمخاطر. توقفت البنية التحتية المادية للقطاع عن العمل تدريجياً: أولاً عندما قصفت القوات الإسرائيلية الزهراني خلال غزوها للبنان عام 1982، ثم عندما أغلقتِ الحكومة اللبنانية مصفاةَ طرابلس أخيراً في عام 1992.

وبحلول حقبة ما بعد اتفاق الطائف، كان جزءٌ كبيرٌ من البنية التحتية المادية التي أُسّست في العصر الذهبي الذي صنعه النفط قد دُمِّر، أو أُعيد توظيفه، أو جرى التخلي عنه. كثيرٌ من المظاهر السلبية لاقتصاد النفط ظلت على حالها، بما في ذلك اعتماد البلد على تدفق رأس المال من الخارج، في حين جرى تفكيك أو تدمير الأساس المادي والاجتماعي لإنتاجية هذا الاقتصاد.

أخيراً، أشرف إرث الاقتصاد النفطي في لبنان على نهايته، فقد أصبح اقتناء السيارات رفاهيةً، وأضحى وضع احتياطي الذهب في البلاد موضعَ شكٍّ، وأما الضمانَ الاجتماعي فيعاني نقصَ التمويل، كما تم اخضاع النقاباتُ العماليةُ للطبقة السياسية، ويلعب القطاع المالي دوراً طفيلياً بحتاً؛ وحتى لو اكتُشف النفط في سواحل لبنان، كما يأمل البعض، فإن ذلك لن يُحيي الماضي. في أحسن الأحوال، يمكن أن توفرَ إمداداتُ الغاز المحلي كهرباءَ أكثر موثوقيةً وأقل تكلفةً وأنظف بعض الشيء في السنوات القادمة، وفي أسوئها، قد يؤدي اكتشافُ الغاز الطبيعي إلى تعزيز السعي وراء الريع، وإطالة عمر الطبقة الحاكمة الفاسدة، وتقديم المزيد من نفس الشيء مع تأخير أية إصلاحاتٍ حقيقيةٍ.

لكن الناشطين ومراكزَ الأبحاث والمفكرين اللبنانيين أشاروا إلى مساراتٍ بديلةٍ للمضي قُدماً، وتشمل هذه شبكةَ كهرباءٍ لامركزيةً صديقةً للبيئة بالبناء على الطاقة الشمسية المزدهرة في البلاد؛ وعقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ يمكن أن يحيي الحماية الاجتماعية من خلال الضرائب التصاعدية؛ ونظام نقلٍ عامٍّ يمكن أن يخدم هذا البلد الصغير باستثماراتٍ متواضعةً. لا يمكن للبنان أن يعيش من جديدٍ رؤيةً قوامُها الحنين إلى عصره الذهبي الذي اعتمد على تدفق الموارد من الخارج، إنما بمقدوره الاستفادة بشكلٍ أفضل من موردٍ لطالما قلّل اقتصادُه السياسي من قيمته، ألا وهو إمكاناته المحلية.

6 حزيران/ يونيو 2022

زاكري دافيس كايلر مرشّح لدرجة الدكتوراه في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة نيويورك. يركّز عمله على الطاقة والتاريخ والبنية التحتية في المشرق.

تم استخدام صور براميل النفط من TColburn52 بموجب رخصة المشاع الابداعي، وصور إضراب عمال التابلاين من مجموعة أيوب شامي الخاصة. كما تم استخدام صور محطة التابلاين في الزهراني  بموجب إذن من: 

Børre Ludvigsen Digital Archive, University Libraries Digital Collection, American University of Beirut

قام بالترجمة للعربية حسان حساني


محتوى ذو صلة