كيف تقوم بـ:
إن القيادة عملية تتسم بعدم الاستقرار؛ ودائماً ما تكون عرضةً للجنوح نحو أقصى الحدود، فهي إما أن تنحدر إلى عملية صنع قرار تتصف بالتسلط، أو تؤول إلى مجلس إدارة بيروقراطي، وسواءً كانت تلك القيادة في قمة هرم الدولة أو كانت في إطار مؤسسة مدنية صغيرة، فإنها تطرح السؤال الجوهري ذاته مراراً وتكراراً، ألا وهو: ما السبيل إلى تحقيق توازن بين تغليب الحزم من جهة والنقاش من جهة ثانية؟
يتطلب هذا التوازن؛ قبل كل شيء؛ حساً مرهفاً وقدرة على التكيف، فالقيادة الناجحة تتأرجح بين اتخاذ الأحكام الفردية من جانب والتوافق من الجانب المقابل. عند إدارة مؤسسة من أي نوع، ثمة لحظات يتوجب عليك فيها اتخاذ القرار والمُضي قدماً، بينما يكون عليك في لحظات أخرى أن تجنح نحو توافق الآراء. إن ارتيابك حيال غريزتك واستشارة غيرك لهو أمر مفيد، فالسعي لمساهمات من الآخرين مفيد من حيث المبدأ، سواء كان ذلك من أجل الاستفادة من فكرهمُ الخلّاقِ، أو استباق المشكلات الناشئة، أو بناء شعورٍ بالمُلكية. غير أن هذا الأمر لا ينبغي أن يصبح نشاطاً افتراضياً يستخدمه المدراء للتهرب من اتخاذ القرارات الصعبة. تكمن موهبة الإدارة في استيعاب تلك اللحظات الحاسمة، والنادرة نسبياً، والتي تستدعي التشاور والتوقف عندها والانتقال من حسم القرار والمضي قدماً إلى بناء التوافق.
تتأرجح القيادة الناجحة بين اتخاذ الأحكام الفردية من جانب والتوافق من جانب آخر
عادةً ما تأتي عملية بناء التوافق في لحظات حرجة ومحورية، ما يجعل منها تحدياً استثنائياً بالغ الأهمية. في الواقع، تمرّ جميع المنظمات بالتوترات والقلاقل من حين لآخر، ما يشكل اختباراً لقدرتك، كمدير، على ابتكار الحلول. قد تكون تلك المشكلات بسيطة وسطحية، كالتذمر حيال الرواتب، أو قد تكون ذات طابع وجودي، كشعور الموظفين بفقدان البوصلة. يمكن للاستياء، بشكل أو بآخر، أن يؤدي إلى سوء الفهم، وقد يأخذ طابعاً شخصياً فيضعك عموماً في موقف دفاعي، وهو ما يحدث تماماً عندما تجنح القيادة نحو أقصى الحدود عبر اتخاذ قرارات عدوانية أحادية الجانب، أو عبر اتخاذ إجراءات مستهترة تلقي بالمسؤولية في غير مكانها الصحيح، أو عبر مزيج من الاثنين معاً.
من السهل اعتبار لحظات كهذه نكساتٍ محضةً، غير أنه من الممكن النظر إليها بشكل بنّاء كفرصة
في أحداث كهذه، تكمن ممارسة القيادة في ابتكار طرق مخصصة لتشخيص المشكلة بدقة قبل اتخاذ قرار حيال العلاج المناسب. إن هذه عملية إبداعية بالضرورة، وقد تتطلب؛ وفقاً للظروف؛ مضاعفة الاجتماعات الفردية؛ وإيجاد سبلٍ لتشجيع النقد الحقيقي، وهو أمر بالغ الأهمية لا يتقنه سوى قلة من المدراء، كما من الممكن إقامةُ جلسات جماعية لمناقشة المشكلات وطرح الأفكار حولها؛ والاستعانة باستشارة خارجية؛ ومناقشة الأسلوب الإداري، أو هيكلية الفريق، أو نموذج العمل؛ وأخيراً، الجمع بين أي مما ذُكر. سيصبح من الممكن المضي قدماً من خلال مزيج من الإصغاء للآخرين بإحساس مرهف، والتفكير الفردي، والكثير من الشرح لكيفية فهمك لكل من المشكلة والحل على حدّ سواء.
يكمن مصدر التوافق في إدراكك لوجود مشكلة كبيرة تؤثر في موظفيك، وإثبات التزامك بحلها، والشروع بحوار شفاف حول المشكلات والخيارات والعقبات، لكن ذلك يشترط اتخاذ القرار أصلاً. ينبغي أن يخلق الحوار فرصة حقيقية لجميع المعنيين للتحدث بحرية أو التزام الصمت، ولكن أي تردد إضافي سيمحو كل ثقة كنا قد بنيناها. بصفتك مديراً، يُتوقع منك اتخاذ قرار والمضي بالمؤسسة قدماً بدلاً من التوقف عند الحلول المنقوصة. إن طبيعة إصغائك وتوضيحك للأمور، لا طول العملية أو شكلها، هي ما سيحدد مستوى القبول الذي سيحظى به طرحك.
إن طبيعة إصغائك سيحدد مستوى القبول الذي سيحظى به طرحك
وما أن تتشكل رؤيتك حتى يغدو تنفيذها منوطاً بك؛ واعلمْ أنك لن تستطيع التغلب على التحديات التي تواجهها المؤسسة بمفردك، ولكنك إن فكرت للحظة بالتوقف قليلا والتشاور مع زملائك ومناقشة سبب الارتباك والحيرة ومعالجة الأمر بشكل جماعي، سيزداد احتمال أن يحذوِ البقية حذوَك؛ فالناس يتذمرون ليُوصلوا أصواتهم أولاً؛ وليشاهدوك تتخذ قراراً بشأن المشكلات التي استعصت عليهم ثانياً.
6 أيلول/ سبتمبر 2017