مهارات العمل الميداني


قوة الملاحظة


    كيف تقوم بـ:

  • إثراء المقابلات التي تجريها بفهم الإشارات غير اللفظية 
  • كتابة ملاحظات ميدانية تضيف إطاراً لنص المقابلة

نصوص المقابلة بحدّ ذاتها لا تنبئنا بالكثير، لكن نقل الكلماتِ والقصص من سياقها الأصلي قد يفقدُها القدرة على كشف خبايا موضوع البحث. بإمكان الملاحظات الميدانية توثيق الجانب الآخر غير المعلن من قصة بحثك، ولكونها أقرب إلى الخربشات الشخصية، فهي تلتقط أكثر بكثير من مجرد ما يتفوه به الناس، وذلك أنك تعتمدُ على حواسك وقوى الملاحظة لديك لتسجيل المشاهد والروائح والحالات المزاجية ولغة الجسد والرموز والعلامات، أي كل الأشياء التي يمكن أن تساعد في فك تشفير ما يُقال.

وقد لا تكون مدركاً لمقدار ما تتعلّمه من التواصل غير اللفظي، فسواء كنت تشهدُ احتجاجاً، أو تزور حياً غريباً، أو تشاهد كيف يسير العمل في مزرعة، أو تزور منزل أحدهم، فإن الإشارات غير اللفظية ستثري فهمك بقدر ما يُقال لك صراحةً على الأقل. وإذ تميل هذه العمليّة إلى الحدوث على مستوى اللاوعي في الحياة اليومية، فإن تتبّعَ انطباعاتك الحسيّة سيجعلها جزءاً لا يتجزأ من بحثك.

وعندما تدخلُ ميدان بحثك أو تنتقل من مقابلة إلى أخرى، ضعْ في حسبانك مشاهد الشوارع، وأنواع الأشخاص الذين تراهم، والمتاجر التي تمر بها؛ وإذا زرت إحدى الوزارات، دوّن ملاحظاتٍ عن تكوينها المكاني، والتفاعل بين الموظفين، وحتى الأشياء الموجودة على مكتب الشخص الذي تتحدّثُ إليه؛ ففي بعض الأحيان قد ينبئنا رفُّ كتبٍ أو مجموعةُ صورٍ بمعلوماتٍ عن الشخص الذي نقابلهُ أكثر مما قد يقوله هذا الشخص عن نفسه. ما المكالمات الهاتفية والتدخلات الأخرى التي تقاطع المناقشة، وما الذي توحي به بشأن ما يحدث عندما لا نكون في الجوار؟

يمكنك دمج هذه العناصر في نصوص المقابلة التي تجريها عن طريق كتابة فقرة قصيرة لوضع المقابلة في سياقها الصحيح، كما يمكنك كتابة تعليقٍ ميدانيٍ وصفيٍ بحت بدلاً من النصّ في حال تضمّنت الزيارة الميدانية مقتطفات فقط من محادثة مع مجموعة متنوعة من الأشخاص. على سبيل المثال، إذا زرتَ أحد الأسواق، قد تتحدثُ إلى الكثير من التجار، وقد تنظر إلى منتجاتهم، وتسأل عن أسعار سلعهم، وتأخذ في الاعتبار جميع أنواع اللافتات والإشعارات. قد لا يكون لديك المواد الكافية لكتابة نصّ المقابلة في حد ذاته، ولكن سيكون لديك ثروة من الملاحظات والمقاطع الصوتية البليغة والغنية بالمعلومات

تتعلمُ من الإشارات غير اللفظية أكثر مما تدرك

ما المقدار الذي يجب عليك تضمينه في ملاحظاتك الميدانية؟ خذ في الاعتبار كل شيء يُحتمل أن يكون مهماً. ماذا يفعل الناس، كيف يتصرفون، ماذا يلبسون؟ ما الذي يمكنك تخمينه بشأن العلاقات بين الأشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية؟ ما المشاهد التي تجذب انتباهك، حتى لو كنت لا تعرف السبب بالضبط؟ ما هو العمل الجاري في الحي أو الريف المحيط به؟ ما هو تأثير البيئة المعمارية عليك؟ هل ترى أية لافتات أو إعلانات أو منشورات لتلتقطها؟ ما هي المعلومات التي تأتيك دون الحاجة إلى البحث عنها، ومن أين ومتى؟ كيف تشعر في لحظات معينة؟ ما هي الأسئلة التي تخطر في ذهنك بشأن ما يحدث؟

ومما لا شك فيه أنه سيكون من الصعب وصف هذا المزيج الانطباعي بالكلمات. إذن، أين تبدأ؟ قد تساعدك التلميحات التالية:

- أثناء الرحلة الميدانية نفسها، دوّن الملاحظات كلّما كان ذلك ضرورياً للاحتفاظ بالمعلومات، ودوّن ملاحظاتك في أثناء ركوبك لسيارة أجرة بين المقابلات؛ وليس بالضرورة في دفتر ملاحظات؛ إذ بإمكانك فعلُ ذلك باستخدام تطبيق كتابة الملاحظات على هاتفك، أو بكتابة بضعة كلماتٍ مفتاحية على ظهر إيصال، كما يمكن للصور تسجيل الإشارات المرئية والمساعدة في تنشيط ذاكرتك لاحقاً.
-في نهاية اليوم، انقل كل هذه الملاحظات إلى مستندٍ مخصصٍ للملاحظات الميدانية، باستخدام التاريخ والموقع كعنوان، وحوّل خربشاتك وكلماتك المفتاحية إلى وصفٍ أدق، وأضف أيّ شيء يساعد في وضع ملاحظاتك في سياقها. وحاول تجنب الرغبة في تأجيل هذا الأمر لأنك ستنسى أكثر - وأسرع - مما تظن.
- قد تكون العواطف مهمةً مثلها مثل الحقائق المؤكَدة؛ إذ سيكون لما يشعر به الناس في لحظة ما تداعياتٌ اجتماعيةٌ وسياسيةٌ، غير أن من الصعب وضع العواطف في سياقٍ ما، وغالباً ما تكون متضاربة وتتحوّلُ بسهولة. سجّل هذه الانطباعات العابرة قبل أن تصبح وجهة نظرك أكثر صلابةً أو قبل أن تتغير في أثناء جمعك معلوماتٍ جديدةً.
- ستكون الملاحظات الميدانية في الغالب وصفيةً ومرتبةً ترتيباً زمنياً، وستقوم في نفس الوقت بتحليل العالم من حولك في أثناء بحثك، ويجب أن تسجّلَ ملاحظاتكُ الميدانيةُ عمليةَ التفكير هذه، وأن ترسّخها في الزمان والمكان.
- أخيراً، لا تحاول الوصول إلى الكمال، فهدفك هو الحصول على المعلومات بأكبر قدر ممكن من الكفاءة لمساعدتك لاحقاً. وأحياناً تفيدُ قائمةٌ بالنقاط الرئيسة أكثر من الجمل الكاملة، ولك أن تختار ما تشعر أنه الصواب. 

قد يكون من الصعب كتابة الملاحظات الميدانية لحظة رؤيتها، لكنها ستثبتُ أنها لا تقدر بثمن في المستقبل، عندما يتغيّرُ الكثيرُ على الأرض وفي فهمك للديناميات، وستعيدُ تجاربكَ المبكرةَ في مجال البحث إلى الحياة، الأمر الذي سيشكّلُ لاحقاً أفضل الطرق لاختبار واقعية تحليلك.

27 كانون الثاني / يناير 2021



تم استخدام صور جيمس برادبري بترخيص من: Creative Commons. 


محتوى ذو صلة