كيف تقوم بـ:
عند إجراء المقابلات، لا تنس أن عملك الميداني معدّ لتطوير تحليلك لموضوع معين. في بعض الأحيان نكون على علم بالموضوع منذ البداية، ونُهيكل عملنا الميداني على أساسه. لكن من شأن العمل الميداني في أحيان كثيرة أن ينتج بصائر إضافية حول موضوعاتنا، قد لا نكون نتقصّدها ولكنها تفرض نفسها علينا. على أية حال، علّة وجود العمل الميداني تحصيل الخبرة المادية الشخصية اللازمة لإنتاج ”تحليل“، وهذا الأخير ممارسة ليس من السهل تماماً تعريفها.
يقوم التحليل على استدخال ”النظام“ إلى أشياء يمكن أن تكون بدونه متنوعة ومربكة. من خلال عملك الميداني، يمكنك مراقبة السلوكيات، والتحدث إلى الناس، وسماع السرديات – وكلها ستعطيك مادة عليك معالجتها. أنت تنتقل من العمل الميداني إلى التحليل عبر الانتقال من الأشياء (الموضوعات، الناس، المواقف، القصص) إلى المفاهيم. يمكنك الانتقال من الأفراد إلى ”فئات أفراد“؛ من محادثات متميزة إلى ”سرديات جمعية“؛ من مسالك شخصية إلى ”أنماط سلوك“؛ من سببيات بسيطة إلى منظومات معقدة. لا شيء من العناصر بين ”“ موجود في الواقع: كلها مفاهيم تقارب الوقائع الملحوظة وتنظمها بشكل مصطنع إلى حد ما، إنما بطرق تساعد على فهم ما نشاهده.
العلم يقدم توضيحاً مفيداً. رغم أن الحكمة التقليدية تخبرنا أن العلم يكشف، من خلال المجهر، بعض السيناريوهات الخفية التي تنظم العالم، إلا أنه لا يفعل ذلك حقاً. العلماء يجمعون ملاحظات ويطورون فرضيات بشأنها، ويسعون جاهدين للإجابة على هذا السؤال الأساسي: ”ما الذي سيحدث في ظل مجموعة معينة من الظروف، استناداً إلى ما سبقت ملاحظته؟“. ”النظرية“ العلمية الجيدة لا تمنحنا الوصول إلى أية ”حقيقة“ متفوقة: بل ببساطة تقدم درجة مرضية من القابلية للتنبؤ وإمكانية الثقة بشأن ما يمكن توقع حدوثه في ظل ظروف معينة. بعبارة أخرى، نحن ندرك جودة نظرية ما فقط من خلال عدم تعارضها مع أية مشاهدات أخرى.
في عملنا أيضاً، التحليل الجيد جيد لأنه يعمل. لأنه لا يتعارض مع المشاهدات الموجودة، ولا يغفل مشاهدات محتملة قد تتعارض معه. هو يشرح الديناميات عبر توضيح العوامل المسببة للنتائج.
يقوم التحليل على استدخال ”النظام“ إلى أشياء يمكن أن تكون بدونه متنوعة ومربكة
المثال المضاد الأنسب للتحليل هو جنون الارتياب، والذي يبدو أنه يزداد انتشاراً ويشكل جزءاً كبيراً من تجربتنا اليومية في هذا المجال وما بعده. يقوم جنون الارتياب على تنظيم ملاحظات سرية من خلال نظرية ما تربط النقاط وتملأ الفراغات، ولكنها لا تعمل إلا بقدر ما يتجاهل أو يرفض أصحابها أية مشاهدات وأدلة مضادة. طبعاً ما يسمى ”نظريات المؤامرة“ تعمل بهذه الطريقة؛ المثير للقلق أن معظم ما ينتجه الصحفيون والخبراء من ”تعليق إخباري فوري“ يعمل بهذه الطريقة أيضاً، وهو تعليق لا يعني شيئاً ما دام يعتريه نقص فادح في المعلومات.
من الناحية العملية، احذر من هذه الأخطاء الشائعة التي يرتكبها باحثون يحاولون استقاء التحليل من عملهم الميداني:
كوّن الفرضيات التي يمكن اختبارها والبناء عليها.
ختاماً، من الأفضل أن تقوم بتدعيم تحليلاتك عبر أسئلة عملية جداً تطرحها على نفسك أثناء معالجة ملاحظاتك. لماذا هذا مهم؟ ماذا يكشف عن هذا الشخص/الوضع؟ ماذا يقول عن المخطط الأوسع للأشياء؟ لماذا يثير قلقي؟ ما هي الصلات الذهنية التي يحفزها في دماغي، مهما بدت مستبعدة؟
وبالفعل، أدمغتنا تحليلية للغاية بطبيعة الحال. وفي كثير من الأحيان، هي ترسم الصلات الأكثر فائدة في حالة من ”التداعي الحر“. بعبارة أخرى: عندما تشعر بأنك عالق في مكان ما، بعض المشي قد يساعدك.
31 تموز/يوليو 2016